Advertising
ذبذبات يسارية
5/7/2020
888 .3 K

ذبذبات يسارية

حَواريون في ظل الصُنط:


في ردهات طويلة بعض الشئ تحيطها الجدران الاستعمارية الطراز و التي تكونت في حقب سالفة من ذكريات الشعوب السودانية ابان فترة الحكم الانجليزي المصري   تشكلت أجنة المعرفة و الحياة الاجتماعية الحديثة وسط جموع الشبان أصحاب الملامح الزنجية و الالسن العربية ، وكثيرا ما تسألت كيف كان احساس أول طالب ؟ يجلس علي منضدة الرجل الابيض التي أتى بها من غابات افريقياوشكلها بحيث يعيد انتاج عقولهم لتستوعب منجزاته ، تلاميذ يحتشدون أمام رجال يتحدثون بلغة مختلفة فبدل أن كان آبائهم يتعلمون في ( رواكيب ) من قش يجلسون علي التراب الذي يعطن بالماء ليصبح باردا في فترات الظهيرة التي تلفح سمومها ألسنتهم التي تنطق بحروف عربية وآيات من القرآن وبعض الاعداد التي تساعدهم في عد جولات المحاصيل او منصرفات الحقول  لتكون الخلاوى أو كما أسموها  الكُتاب ابان فترة الحكم التركي المصري هي المؤسسة التعليمية السائدة في تلك الفترة ، و الخلاوي كما أشجار الصُنط التي تنبت في السّافنا الفقيرة ممتدة و متفرعة ولم يؤرخ أحد وجودها .
الا أن هناك مقولات تاريخية تشير الي انها ظهرت في "فترة حكم الشيخ عجيب المانجلك 1570 -1611" 1  وتقول رواية أخرى أن برشمبو هو الذي بدأ بوادر التعليم الديني عندما " قام بتحويل كنيسة دنقلا العجوز الى مسجد في مايو (1317م)، ولم يجد هذا التحويل اي نوع من المقاومة "2  وانتشرت الخلاوي في السودان التي تشبعت بريح مصر وثقافتها الدينية فكان المشايخ مالكييّ المذهب  بجلابيب طويلة و عمامات ٍتشبه تلال الرمل في صحراء بيوضة لتكون هذه جذور المؤسسة الدينية في السودان ، ولم يجد المستعمر عناءاً في الحفاظ علي هذه المؤسسات فجذّرها داخل المجتمع وعمل علي بناءِها لمصحلته من أجل الاستفادة من كل الموارد البشرية وغيرها في السودان

 .
و شهدت فترة الخديوي عباس باشا بناء أول مدرسة علي النسق الحديث وأطلق عليها مدرسة الخرطوم الابتدائية شرق ولكنها لم تستمر طويلا فقد تم اغلاقها . "في عهد الخديوي اسماعيل وبناءاً علي التقرير الذي كتبه رفاعة رافع الطهطاوي، علي مدي استعداد ورغبة السودانيين لتقبل التعليم وتطويرانفسهم ، عملت الحكومة المصرية ، بترغيب الذين درسوا بعض العلوم الاسلامية والعربية مثل: القران الكريم ،والحديث، والنحو، والصرف، والفقه، للانتساب إلى الجامع الازهر، لإكمال دراستهم فيه لمدة ثلاث سنوات حتي يتقنوا العلوم الدينية والعربية وتزداد ثقافتهم العربية ، ومن ثم يعودون الى السودان، ليكونوا هم حملة رسالة الثقافة الاسلامية والعربية، ودعاة لتقويم الدين ،وعكس كافة المناهج التي درسوها في مصر في مدارسهم ومساجدهم"3
نلاحظ ان بوادر الاثر المصري ظهر علي المتعلمين من أبناء المجتمعات السودانية والذين شكلهم التاريخ في هذه اللحظة ليرسمو ملامح مستقبل مبهم للذين أتو من بعدهم وهذا ما يمكن ان أسميه ( جذور الحداثة الاستعمارية ) فيد الاستعمار هي التي صاغت هذه الانوية للنظام التعليمي الحديث في تاريخ الدولة السودانية فظهرت المدينة بظهور النشاط الاقتصادي المرتبط بالتجارة الي تحولات جذرية في المجتمع .
لم تكن المهدية سوى ساحبة صيف أطلت فوق سماء ام درمان ثم غادرت دون أي ملامح سوى أسماء تمسكت بها أحياء البقعة كما يتمسك طفل صغير بثوب امه وسط الزحام ، ولكن ما يمكن قوله ان المهدية كما جُبتها المرقعة التي يرتديها الدراويش فلم تقوم بمعزل عن طريقة الحكم المركزية للاتراك بل عملت علي تكسير ما أنجزه الاتراك من مؤسسات ولأن الصوفية ورجال الازهر بينهم نوازع شر أوقف المهدي كل أنماط التعلم التي أتى بها الاتراك ، وجعل المسيد هي قبلة المتعلمين و فنارة يتوجه إليها طلابه وأعاد للصوفية كفتها ، الا أنه كان من جانب الاقتصاد كان امتدادا للتركية التي قام باسقاطها وهذا ما جعل بعض الاسر تحتفظ بمكانتها وامتيازاتها التي حصلت عليها من التركية وهم الذين استقطبهم المستعمر عبر التعليم وادراجهم في هيكلته الادارية .

قبعاتُ قش و أوجه نُحاسية  اللّون :
بحنكة الرجل الابيض المتمرس في بناء المستعمرات و بعقلية اداتية عالية التصميم عمل مستر جيمس كيري الرجل البريطاني الذي عُين أول وزير للمعارف علي تصميم منهج يجعل من السودانين ذوات منفصلة عن مصر ولأنه كان يعلم أن الثقافة و الممارسة السياسية في شمال الوادي كانت مستفحلة وأن المصريين أكثر دراية و معرفة من هؤلاء الذين يسكنون في بيوت الطين و القصب وهم مجرد طفيليات نبتت علي ضفاف التركية ابناء تجار وصغار جامعي الضرائب و ابناء أمراء الانصار الدراويش" في هذه المرحلة عملت السلطات البرطانية في السودان لقطع الصلة بين السودانيين والتعليم المصري ، حيث ارسل مدير معارف السودان نائبه المستر كراو فوت علي رأس بعثه إلى مصر عام (1901م)؛ لجمع الطلبة السودانين - بالأزهر -ليكونوا نواة لطلبة كلية تدريب المعلمين والقضاة ، الى جانب تحويل جامع ام درمان الى معهد علمي علي قرار الجامع الازهر ، اضافة إلى تركها جنوب السودان لنشاط البعثات التبشيرية التي نجحت في صبغ الجنوب بصبغة ثقافية ودينية مغايرة لابناء الشمال"4. لذلك كان لابد من هذه القطيعة في النظام التعليمي بين مصر و السودان ، وهذا ماتم عندما دخلت جيوش الانجليز علي جماجم دراويش المهدي و سارت مراكبهم النيلية علي دماء الامراء و النقباء ، و سكة الحديد صممت " فلنكاتها " علي الايدي التي قطعت رأس غردون ، لذلك كان لابد من أن يظل غردون مذكورا في تاريخ هذه البلاد وتكون كلية غردون التذكارية هو أول صرح نبت علي فلوات الجهل السودانية كما كان يتصورها اللورد سالسبوري رئيس وزراء برطانيا آنذاك  ليكون منبعا لفيالق الحركة الوطنية وشاهدا علي ميلاد رعيل صممت أدمغتهم بالطوب الاحمر المحروق  داخل أفران الاستعمار بأوجه نحاسية بعد أن إلتحفها هجير الشمس و بقبعات القش التي كان يستخدمها الضباط الانجليز بدأت اليد الاستعمارية في اعادة صياغة الحياة الاجتماعية .


وبالرغم من ان بريطانيا سعت الي ان يكون التعليم منفصلا عن مصر الا انها لم تستطع أن تتخلي عن المعلمين المصريين فقد كان مستشاره الاول هدايت بك و الذي استعان بالاساتذة المصريين في تلك الكلية – غردون التذكارية - و المدارس التي أنشأت فيما بعد في تعليم السودانيين .
نلاحظ في هذه المرحلة التاريخية وجود تيارين من المتعلمين و أصحاب النفوذ و غيرهم من الذين يمكن تسميتهم (بالنخبة السودانية) في ذلك الوقت ، نوع : هم الذين ارتبطو بالتدين الشعبي و بالطرق الصفوية و زعماء القبائل وهم الذين كانو دوما قريبين من يد المستعمر لارتباط مصالحهم مع مصالحه ويمكن أن نطلق عليهم النخبة التقليدية وهذه النخبة وجدت نتيجية للظروف الاجتماعية و طبيعة العلاقات الاقتصادية الموجودة في تلك الفترة " ارتمت القيادات التقليدية في أحضان الاستعمار. ففي البداية ارتكز الاستعمار البريطاني-المصري على قادة طائفة الختمية لتوطيد نفوذه وحكمه. ومع نشوب الحرب العالمية الأولى وبتحول مصر إلى محمية وباشتعال الحركة الوطنية بها بدا أن استقلالها قريب، وبالتالي أصبح تقليص النفوذ المصري في السودان ضرورة للبريطانيين. فاتجهت بريطانيا إلى المهديين بصفتهم معادين لمصر وتركيا. واستخدمت بريطانيا سيد عبد الرحمن المهدي لتعبئة وتحريض المسلمين ضد تركيا. هرول المهدى على الفور لتأييد البريطانيين وحرض ضد الشبان الأتراك قادة (هيئة الاتحاد والترقي) بصفتهم كفرة وادعى أن مصلحة السودان مع بريطانيا. ووسع المهدى من مؤسسته الزراعية على جزيرة آبا التي كان يستخدم موسم حج أتباعه لها كمصدر للعمالة الرخيصة وكسب أموالاً طائلة. ثم سافر المهدي إلى لندن وقدم سيف المهدي كهدية إلى الملك جورج الخامس كتعبير عن الولاء"5

صَح يا كَنارُ :

 
بينما كان الباشا سعد زغلول بشاربه المتزن يضع طربوشه  و بجاوره عبد العزيز فهمي و علي الشعراوي على طاولة واحدة مع المندوب السامي كان بعض الفتية في الخرطوم يحاولون بطريقة ما أن يكون لهم شأن في وضع اللبنات الأولى لحركة تعبر عن تفكيرهم ورؤيتهم التي بالتأكيد كانت تتأثر بثقافة وادي النيل فكانو ينظرون الي قضية التحرر أنها تجمع مصر و السودان معا  ، ترى كيف كان تفكير علي عبد اللطيف ؟ وهو يجالس عبيد حاج الأمين كيف كان ينظر الي شوارع أم مدرمان ؟ ترى هل كان ينظر الي الموردة علي أنها الدُقي أم كانت العرضة تراوده علي أنها الجيزة ؟ كل ذلك بالتأكيد لا يقلل من مجهود اللواء الابيض ولا امتداداتها في مدن السودان مثل شندي و بورتسودان و عطبرة وهنا تظهر بذور حركة منفصلة عن الطابع الديني للمقاومة و تقوم علي أساس جديد متسم بروح الوطنية حتي وان كانت قاصرة لكنها تحمل مدلولات ذات طابع يساري مرتبط بالموظفين و الطلاب ولكنها مصابة بالضعف و الوهن لانها لم تصمد أمام المد الطائفي الذي كان يتمثل في الختمية و الانصار " رغم بداية الحركة الوطنية علمانية الطابع، إلا أن القيادات التقليدية الطائفية سرعان ما نجحت في استقطاب “الخريجين” .

 وسقط المؤتمر فريسة للتناحر الطائفي بين الختمية وأنصار المهدى. فكون إسماعيل الأزهري حزب الأشقاء  المرتبط بالختمية  منادياً بالوحدة مع مصر في 1943، وفى المقابل أسس عبد الرحمن المهدى حزب الأمة المرتبط بطائفة الأنصار الذي عادى الوحدة وطالب بسودان مستقل عن مصر. طالب المؤتمر بتوسيع التعليم والفرص التجارية للسودانيين وتأميم مشروع الجزيرة. لم تجد الدعاية الوطنية أي صدى في الجنوب، فلم يهتم الوطنيون بمسألة تخلف الجنوب، ومنذ البداية طالبوا بأسلمته وتعريبه وعدم فصله إدارياً عن الشمال ليكون جزء من سودان موحد ومستقل. جاءت نهاية المؤتمر عام 1945 باكتساح الأشقاء/ الختمية لانتخاباته بدعم وتمويل مصري وانسحب الأنصار منه وبقى المؤتمر مجرد واجهة حتى دمجه في الحزب الوطني الاتحادي الذي أسسه الأزهري بالتحالف مع الختمية عام 1952"6 . ومن هنا يمكن القول أن النظرية السياسية في السودان أسست علي مبدأين : الأول التحالف من أجل الكسب فما قام به المثقفون بعد فشل ثورة 1924 في التحالف مع القوى الطائفية خير دليل علي ذلك " وبدأ السؤال يلح علي ذهن المتعلمين : كيف الوصول الي تلك الجماهير؟ ونبعت الاجابة عليه من خيبة الأمل التي مني بها المثقفون بعد هزيمة 1924 ، ومن رسوخ نفوذ القيادات الطائفية و القبلية ، ومن ضغط السياسة الاستعمارية ، ومن لهفة البرجوازية الصغيرة وتعجلها للنتائج وهي التي تصوغ ايدولوجية المجتمع . ومن كل هذه العوامل تشكلت الاجابة علي السؤال ، التي تمثلت في تطلع المتعلمين الي التعاون مع الطائفية ، باعتبار ذلك أقصر الطرق التي يمكنهم التوسل بها للجماهير " 7 .

 اذن يمكن القول أن التيار الذي كان يتسم بروح الحداثة سقط في فخ القوى التقليدية فبدل أن يتوجه الي تأسيس قاعدة قوامها العمال و الطلاب و الطلبة الحربيين وغيرهم من البرجوازية الصغيرة ذاب في التيار التقليدي ومن هنا أسست الحداثة لأن تعيد انتاج القوى التقليدية بكل محمولاتها وهذا ماشهدت الديمقراطية التي قتلت بأيدي الطائفتين في عام 1958م عندما سلم عبد الله خليل الحكومة لعبود ، وعندما تم طرد الجزب الشيوعي من البرلمان أيضا . من خلال ما كشفته الاحداث يمكن القول أن نشأة التيار اليساري في السودان الحامل لقيم الحداثة و الديمقراطية و العلمانية قد بدأ عام 1924 م ومرورا بظهور مؤتمر الخريجين 1938 م الذي دخل والتحم مع الطائفية كما ذكرت سالفا وهو ما أسميه (التيار اليساري القديم ) . وهذا يعيدنا الي فهم هذه النخبة للدور الحديث الذي كانت تقوم به من خلال فهمها للحداثة وهذا يقود الي طبيعة التعليم نفسه وطبيعة الاستعمار الذي خلق هذه الحداثة داخل بنية تقليدية ولم يقم بحمايتها من هذه البنى فنجد اضراب 1931م الذي قاده طلاب كلية غردون قد تم اخماده عبر تدخلات من عبد الرحمن المهدي  وهذا يكون أول تقول علي المؤسسة الجامعية الحديثة و أول ظهور بوادر اتجاهات سياسية للطائفة في السودان .
أما الذي يمكن أن نقول عليه أنه التيار اليساري الحديث ، ومصطلح حديث وقديم هذا لا يدخل ضمن التعاريف المفهومية للمصطلحين انما اشير عند استخدامهما الي المعنى الزماني  للمصطلحين ، ونتيجة كل منهما فالقديم الساقط في فخ الطائفية قاد الي أن يظهر البنية التقليدية و الحديث عمل علي مستوى الطلاب و العمال وبسقوط التيار اليساري القديم ظهر الحديث كاشارة الي أن المجتمع يفرز قواه الاجتماعية ونجد ذلك في  مقال عبد الخالق محجوب  الذي نشر في صحف الخرطوم ردا علي بعض الدوائر التي نشرت بيانا مزيفا عن الشيوعية " فى نهاية الحرب العالمية ، عندما دب الوعى الوطنى فى أرجاء بلادنا ، انتظمت كغيرى من الطلبة المتحمسين فى غمار هذه الحركة يحدونى أمل ، هو المساهمة فى تخليص بلادى من نير الاستعمار .

 

تحدونى حالة الفقر والبؤس التى كان ومازال يحس يها المواطنون المتطلعون الى غد مشرق ، ملىء بالعزة والكرامة . وقد علقت الآمال حينذاك على زعماء حزب الأشقاء ، فى تحقيق تلك الأهداف التى آمنت بها . وهكذا وبمثل تلك الآمال العريضة ودعت وفد السودان (لمفاوضات الاستقلال) فى مارس 1946 ولكن هذه الآمال العراضة والأمانى الحلوة بدأت تتضاءل أمام ناظرى . فى القاهرة ، وبعيدا عن أعين السودانيين . دب التراخى فى بعض هؤلاء الزعماء ، واستسلموا لراحة الشخصية . وفى غمار هذا الواقع الجديد تناسى الزعماء ما قطعوه على أنفسهم من أن "قضيتنا لا يحلها الا الذين ودعونا فى الخرطوم ، واستقبلونا فى القاهرة ." تساءلت ضمن عدد من الشباب عن سر هذه التحولات التى طرأت على مواقف الزعماء ولا يدرى الشعب كنهها " 8

طُلَاب المَشّانِق :


ويرتبط ظهور الحركة الشيوعية في السودان بالطلاب ، فقدحهم المعلى في الاحتكاك بالمعارف و بالاحداث الاقليمية و الدولية اكبر واكثر التصاقا بها ، فزادت درجة الوعي لديهم و القدرة علي التنظيم و الحركة ، " فتدرب مجموعة من الطلبة السودانيين في مصر علي أسالايب العمل الجماهيري و السري في تلك المنظمات . ووفرت الحركة  الشيوعية المصرية للمثقفين السودانيين الادب الماركسي و اليساري عامة . وتعلمت الحركة الشيوعية  في السودان من أخطاء الحركة  الشيوعية المصرية التي أدت الي تفشي الانقسامات بينها نتيجة انكفائها علي المناقشات بين حلقات المثقفين " 9
بالاضافة علي العوامل الخارجية التي اسهمت في نشوء التيار الماركسي هناك أيضا عوامل داخلية  أسهمت في ظهوره من بينها "ظهور الحركة النقابية الوليدة وبين مزارعي الجزيرة. ولدت الحركة النقابية في يوليو 1946 بتأسيس “هيئة شئون العمال” التي كان في طليعتها عمال السكة الحديد. تأسست النقابة في عطبرة وليس هذا من قبيل الصدفة، فعطبرة مركز رئيسي لخطوط السكك الحديد السودانية، ومثّل العمال وعائلاتهم حوالي 90% من سكان المدينة البالغ عددهم 40000 نسمة، واتسمت المدينة بضعف العلاقات القبلية والطائفية. كان لعمال السكك الحديدية ثقل كبير في الاقتصاد السوداني والذي كان يعتمد بشدة على السكك الحديدية في نقل السلع والمنتجات والجنود والمواطنين ، وكذلك سع في نظام التعليم وأنشأت العديد من المدارس الثانوية بالإضافة إلى فرع لجامعة القاهرة، وأصبحت المدارس والجامعات مراكز للدعاية والتحريض ضد الاستعمار، ونجح الشيوعيون في اختراق اتحادات الطلبة "10


بعد الانتشار التعليمي الذي حدث في جميع انحاء السودان ، ومع ازدياد المدارس الثانوية  و عدد من المدارس الفنية و المعاهد و كذلك النقابات و التي كان لها فيما سيأتي من أحداث .

الطُلاب طلائع نصر :


يمكن أن نقول ان دور الطلاب في ثورة 1964 كان دورا حركيا فقط  بحيث أنها لم تقم بحماية الديمقراطية من تقول الاحزاب أو تتحكم في مسألة استمرارها ، ويحسب لها اهتمامها  بمعالجة مشكلة الجنوب بصورة إجتماعية لتضع حلولا وسياسات طويلة الأمد ترمم العلاقة بين الشمال و الجنوب .

 وما حدث في ندوة ( التقيم العلمي لمسألة الجنوب ) وما تلتها من أحداث ينعكس دور الطلاب بصورة واضحة في هذه النقطة بالتحديد ولكن ما كان يشكل اخفاقا هو الاليات التي لم توجد من أجل تنفيذ ما تم وضعه من حلول ومسألة الاليات هي المسألة التي ظلت تعاني من الحركة الطلابية اليسارية خصوصا في هذا الشأن  ،

وبالرغم من الشمولية الا أن الطلاب قامو بشكل ما كل أنواع القيود ولكن النظام السياسي في تلك الفترة اول ما فعله من اجل تحطيم مؤسسة الجامعة هو تدمير إستقلالية الجامعات بحيث أصبح مدير الجامعة يتم تعيينه بصورة مباشرة من وزير المعارف  وليست انتخابية من مجلس الاساتذة " أجبرت الهزائم المتتالية في الجنوب النظام على فتح الموضوع للنقاش أمام الرأي العام.

فاستغل الطلبة تلك الفرصة ونظموا اجتماعات في ساحات الجامعات لمناقشة القضية. سرعان ما تحولت النقاشات إلى تحريض ضد النظام، وبالرغم من تحرك النظام لمنع المناقشات قرر الطلبة استكمالها. في 21 أكتوبر 1964 تدخلت قوات الأمن لفض إحدى الاجتماعات. فاشتبك الطلبة الشيوعيون والإخوان المسلمون في صدام عنيف مع القوات التي قتلت طالباً وجرحت العديد. تحولت جنازة الطالب إلى مظاهرة مشتعلة قوامها 30000 شخص، ثم أنضم المهنيون للطلبة وأسسوا ‘جبهة الهيئات’.

 وزادت حدة المظاهرات يواكبها زيادة حدة قمع الشرطة. وأسست الأحزاب الطائفية في المقابل ‘الجبهة الوطنية’ لتوازن قوى المهنيين. وأخيراً جاء تدخل النقابات العمالية تحت قيادة الحزب الشيوعي السوداني واشتعال إضراب عام في الخرطوم والمدن الرئيسية الأخرى بمثابة القشة التي قصمت ظهر بعير النظام العسكري. شل الإضراب العام الحياة تماماً في العاصمة التي تدفقت عليها أعداد غفيرة من المواطنين. وعجزت المؤسسة العسكرية عن التعامل مع الموقف، إذ تعاطف صغار الضباط مع المنتفضين ورفض الجنود الاستمرار في قمع الانتفاضة. وفى النهاية سقط نظام السفاح عبود وتسلمت جبهة الهيئات إدارة البلاد وتكونت الحكومة الجديدة في 26 أكتوبر"11


لم يواصل الطلاب حمايتهم لمكتسبات ثورتهم فاليسار الطلابي أصبح رهينا لابوية الحزب الشيوعي الذي ينتهج الديمقراطية المركزية ، وهو ما سبب في إختزال اليسار الطلاب وأصبح مجرد امتداد لطبيعة العمل السياسي الخارج بدلا أن يكون حركة اجتماعية نقدية .


 و الاخفاق الاكبر الذي يمكن أن نقوله بشأن الحركة الطلابية اليسارية  يكمن فيما حدث من سقوط لليسار عام 1969 حتى وان كان بشبهةٍ في فخ دعم الانقلاب العسكري علي الديمقراطية ، هذا الامر جعل من اليسار الطلابي تابعا وجعل من حركة الاخوان المسلمين تستغل الموقف لتبلور وضع جديدا سمح لها فيما بعد دخول العملية السياسية ولعب ادوار مهمة توجت بإنقلابهم علي الديمقراطية عام 1989م .

ذبذبات يسارية :


هنا تكون الدائرة قد اكتملت و رسمت ملامح واضحة لحركة الطلاب أو يمكن أن نقول ( الحركة الطلابية ) بتيارها اليساري و التي ستلعب دورا مهما في مسار التاريخ السياسي السوداني ، بجانب تيار اليمين الذي لم يكن تطوره بعيدا عن تطور اليسار في السودان فمصر أيضا شاركت في تحديد ملامحه المستقبلية ، ويمكن لنا أن نقول أن اليسار الطلابي : قد اعتكف علي ممارسة السياسة ولم توجد تيارات معرفية تؤسس للعمل الطلابي داخل الوسط الجامعي وهي صفة مستلفة من مصر وهنا مربط الفرس وهي أن اليسار الطلابي كان أداة في يد الاحزاب و الحراك وهذا الثقب الذي حدث صار مثل طبقة الاوزون يتسع كل مرة مع مرور الأحداث ليفقد اليسار الطلابي هويته والتي تتسم بالثورة ضد الظلم و القمع  ولكن تستند في أساسها علي المقولات المعرفية و الثقافية ، وتتجه نحو ماهو سياسي بمناظير النقد ، وهو ما قامت عليه ثورات عديدة للطلاب علي رأسها ثورة ماي 1968 الفرنسية "حيث يعتبرها إغناسيو راموني أحد قادتها ومدير جريدة لوموند : " ثورة ثقافية بتعابير

سياسية " " 12

إن أردنا بحث جذور طبيعة هذه الازمة في الجامعة السودانية علينا أن نعود الي جذور فلسفة التعليم لدى الاستعمار فلاستعراض التاريخي للاحداث يوضح لنا ان الاستعمارين ( التركي – المصري و الانجليزي – المصري ) اتبعا منهجية في بناء النظم التعليمية و كان أكثرها تعقيدا عن الانجليزي الذي استند في إدارته علي بحوث انثربولوجية من اجل معرفة البنى الاجتماعية وطبيعة النشاط الاقتصادي و التصورات الاجتماعية و طبيعة علاقة السكان بالدين وأنماط التدين ، علي هذا الاساس قامت المؤسسات التعليمية من أجل القيام بدور أساسي ورئيسي في توظيف المجتمع من أجل خدمة المستعمر  و يعتمد في هذا علي الفلسفة الوضعية و نموذج الحداثة الكلاسيكية التي تتخذ من الانسان موضوعا لها بمعني آخر ( السيطرة علي الانسان كجزء من الطبيعة ) وهذه هي البنية الاستعمارية للمناهج الاكاديمية

وهذه النتيجة مؤكدة في واقع ما بعد الاستعمار و حتي يومنا هذا ، بحيث أن التقدم و التطور نحو الحداثة لم يكن شرط أوجده المجتمع بما يتوافق مع خصائصه بل كان شرطا مفروضا عليه من قبل قوى استعمارية شكلت وصممت وضعية اجتماعية معينة و محددة واوجدت طبقات اجتماعية مستفيدة من هذا الوضع لذلك يمكن لنا ان نقول أن الاستعمار عمل علي إنتاج نفسه بصورة جديدة من خلال المؤسسات الحديثة

وهنا يكمن التحالف بين التصورات الاجتماعية التقليدية و الحديثة فالثانية أوجدت فرصة للاولى من اجل اعادة تشكيل ظروف اقتصادية و سياسية واجتماعية تسمح لها بالبقاء و الاستمرار ، وهذه المؤسسات هي المؤسسات التعليمية ، فتعطلت روح النقد عند الطلاب و أصبحت الجامعات مجرد مصانع لاعداد الموظفين و الفنيين و كذلك السياسيين بعد الاستقلال

 فحتى عندما ظهرت أركان النقاش و التنظيمات السياسية  و العمل الطلابي  في صورته عبر الجمهوريين في جامعة الخرطوم لم تتحول الى نوع من أنواع الحركة النقدية وهذا بالتأكيد انعكاس جراء السياسات التعليمية " كانت سياسات الحكومة الاستعمارية تبنى لتحقيق الهدف الاستعماري الذي هواستنزاف خيرات السودان المادية ممجعلها تهتم بمواد معينة من العلوم والدراسات دون الأخرى. فقد كان الإداريون يوجهون أن يتجنب البريطانيون تدريس السودانيين المواد التي تشجع فيهم التفكير وروح النقاش.

وكان فتحهم للمدرسة الصناعية وتشجيعهم الأعمال اليدوية ليس فقط بهدف إنشاء قطاع فني في السودان ولكن كما ظهر من تصريحات بعض الإداريين أن ذلك النوع من التعليم (التعليم الفني) لا يبعث فيهم روح النقاش والمجادلة بل يكون الفرد فيه متلقي أكثر من منتج وحتى عندما يمارس عملية التفكير فإنه يريد أن يصل إلى نتيجة معدة سلفًا. وإن كان هناك ابتكار فإن هذا الابتكار يكون بعيدًا عن مجال الحياة الاجتماعية بكونه يحدث في الطب أو الزراعة أو الصيدلة أو الأعمال الهندسية على العكس تمامًا من العلوم في مجال الحياة الاجتماعية المباشرة والتي تتناول السلطة والدولة وعلاقات الناس بهما مثل العلوم السياسية والعلوم الاجتماعية الأخرى .

فإنها لا محالة تجعل من الفرد إنسانًا مثقفًا بالفعل وداعية إنسانيًا وناقدًا ومحللا سياسيًا ومفكرًا وفيلسوفًا اجتماعيًا. فهذه الخواص للعلوم الاجتماعية هي التي جعلت المستعمر لا يشجع هذا النوع من المناهج والمواد الدراسية. وعندما كانت تدرس فإنها كانت تدرس من قبل أساتذة بريطانيين وبالتالي فهم يعكسون فلسفة ووجهة النظر، إن لم تكن الاستعمارية، فإنها لن تتناول بالنقد والتقريح سياسات وأعمال المستعمر"13


أسلمة الجامعة :


بعد سقوط الديمقراطية الثالثة في السودان و استحوزت الجبهة الاسلامية علي الحكم عام 1989م ، بدأت في الاتجاه نحو الجامعات بسياسات مختلفة و ممنهجة ولانها تعلم أن مفاصل الحراك نحو الديمقراطية و الحرية هو الجامعات عملت علي تفكيك الاساس الذي تنطلق منه وهي المعرفة ، لذلك جاءت سياسات التعليم وفق لمخطط ظلت تلك اللحى تعمل علي حبكه ولانها أتت من نفس تلك السوح و القاعات الدراسية فإنها باتت تعرف مخبأ الثورة الكامن في عقول نيرة ومشرقة بروح العلم .


عملت السلطة الاسلامية علي تعريب المناهج الذي كان بداياته منذ أيام حكم الفريق عبود الا انه في هذه الفترة كان بصورة آيدولوجية متعمدة وذات نوازع سلطوية من أجل تغيير المجتمع واعادة رسم ملامحه علي أساس اسلامي بحت ، فانتشرت الجامعات مثل خلاوي الاباء الاوائل لتحول مباني اللمدارس الثانوية الي مجمعات جامعية وهي من التمظهرات الاولية لانهيار التعليم العالي في فترة التسعينات ، ليؤثر هذا المناخ علي مستويات عديدة اولها واهمها الانتاج المعرفي و تشكيل وجدان مفارق للطلاب وانهيار مناظير عديدة مما سبب انهيار للنظريات الحديثة و اليسارية .

الاعلى مشاهدة

المنح-التركية_2020

أعلنت إدارة المنحة التركية إفتتاح التقديم للعام 2020م بتاريخ 10-01-2020 عبر الموقع الرسمي للمنحة على الإنترنت، حيث يقدم له سنوياً ١٠٠الف طالب حول العالم، وينتهي التسجيل في 20-02-2020 لجميع المستويات الأكاديمية ( بكالوريوس، ماجستير ، دكتوراه ) مميزات المنحة التركية تتميز المنحة بأنها ممولة بالكامل وتغطي كافة التكاليف من أقساط الجامعة إلى بدل سكن وتأمين صحي، وتغطية تكاليف السفر والفيزا للمتقدمين من خارج تركيا، بالإضافة إلى راتب شهري. المعاش الشهري البكالوريوس 700 ليرة تركي الماجستير 950 ليرة تركي الدكتوراة 1400 ليرة تركي البحوث 3000 ليرة تركي شرط العمر: البكالريوس من تاريخ 01-01-1999( اقل من 21 سنة) الماجستير من تاريخ 01-01-1990( اقل من 30 سنة) الدكتوراة من تاريخ 01-01-1985( اقل من 35 سنة) البحوث من تاريخ01-01-1975 ( أقل من 45 سنة) مميزات المنحة يحصل الطالب المقبول في المنحة على تذاكر سفر مدفوعة من قبل الدولة من البلد الذي يقيم فيه إلى تركيا ومن تركيا إلى بلده بعد إنتهاء الدراسة بشكل نهائي. يحصل الطالب على إقامة طالب طول مدة الدراسة مدفوعة من قبل الدولة. توفر الدولة للطالب السكن المجاني طول فترة الدراسة مع مصاريف السكن. تقدم الدولة للطالب تأمين صحي مجاني طول فترة الدراسة. يحصل الطلاب المقبولين فى المنحة على سنة كاملة لدراسة اللغة التركية دون أي رسوم، مع العلم أن الطلاب الملتحقين بالدراسة بلغة أخرى ( غير اللغة التركية ) يتوجب عليهم حضور السنة الكاملة لتعلم اللغة التركية أيضاً، وسيحصل الطلاب المقبولين فى المنحة على بطاقة تمنحهم حق التنقل، بسعر مدعوم من الدولة مخفض جدا . الأوراق المطلوبة : شهادة المؤهل التعليمي: شهادة الثانوية للمتقدمين للبكالوريوس, أو شهادة الجامعة للمتقدمين للماجستير, أو شهادة الجامعة والماجستير للمتقدمين للدكتوراه. في حال لم تكن شهادة التخرج جاهزة أو تبقى على تخرج المتقدم عدة أشهر, فيمكن تقديم إفادة رسمية مختومة تفيد بذلك ترفع إلى الموقع عوضًا عًن شهادة التخرج. كشف الدرجات التعليمي يوضح درجات الطالب في المواد بالنسبة لخرجيي الثانوية هو نفسه شهادة الثانوية، وبالنسبه لخرجيي الجامعة والماجستير فهو الكشف التفصيلي لدرجات المواد خلال سنوات الدراسة. رسالة توصية واحدة أو اكثر من مدرس أو مدير في العمل أو من مؤسسة، وترفع رسالة التوصية إلى الموقع بالإضافة إلى ضرورة إدخال البريد الإلكتروني للشخص الكاتب للتوصية, حيث ستصل إليه رسالة تطلب منه التأكيد بأنه الشخص الذي قام بكتابة التوصية . وثيقة إثبات هوية كجواز سفر أو بطاقة شخصية أو شهادة ميلاد أو رقم جلوس. صورة شخصية حديثة واضحة. ترجمة كافة الأوراق ( بعد تلقي رسالة القبول وتحديد موعد المقابلة ) وثائق مطلوبة لبعض الجامعات أو التخصصات فقط 1) شهادة امتحان معتمد للغة الإنجليزية, في حال كانت الجامعة التي تم اختيارها تطلب شهادة اللغة الشهادات المعتمدة هي شهادة التوفل TOEFL تكن شهادة اللغة متوفرة اثناء التقديم, فيجب تجهيزها حتى موعد المقابلة. 2 ) شهادة امتحان كفاءة أو مهارات معتمد, في حال كانت الجامعة التي تم اختيارها تتطلب ذلك. تطلب هذه الشهادة GMAT أو GRE وفي الغالب للطلاب المتقدمين للدراسات العليا, كشهادة امتحان، في حال كانت الشهادة المطلوبة غير متوفرة أثناء فترة التقديم, فيجب تجهيزها حتى موعد المقابلة. شهادات خبرة في أعمال سابقة انتظم فيها المتقدم. شهادات مشاركة في دورات تدريب أو تأهيل أو ندوات. شهادات تكريم في أي مجال . شهادات مشاركة في أنشطة تطوعية خدمية . أي شهادة أو وثيقة أو جائزة أخرى حصل عليها المتقدم سوى في المدرسة أو العمل . المعدلات المطلوبة درجة البكالوريوس: يجب أن لا يقل المجموع عن 70% يجب ان لا يقل مجموع الطلاب الراغبين في دراسة الطب عن 90% درجة الماجستير والدكتوراه:% يجب ان لا يقل المجموع عن 75% للتقديم اضغط هنا : https://tbbs.turkiyeburslari.gov.tr/ ملحوظة : بإمكانكم إستخدام الرابط في الأعلى للتقديم للمنحة.

441 .13 K

الثورة-السودانية-ومعنى-الكرامة-

الثورة السودانية ومعنى الكرامة حسان الناصر باحث بمعهد الدوحة للدراسات العليا – علم الإجتماع والأنثربولوجيا مقدمة يبدو أن الربيع العربي الذي إنطلقت شرارته من تونس( بثورة الياسمين ) ما زالت إمتداداته مشتعلة حتى يومنا هذا ، لم تنضب بعد ينابيع الحرية التي إنطلقت أصواتها في أرياف تونس ومدنها ، وها نحن مرة أخرى نشهد فجراً جديداً من فصول الكرامة و الحرية التي تشهدها المنطقة بثورة سودانية من أرض النيلين ، وهو دليل على تعافي الشعوب العربية من براثن الخوف وتحطيم قلاع الشمولية . فالثورة السودانية التي تفجرت من أريافه البعيدة و شهدت مشاركة واسعة لأطياف المجتمع التي كانت بعيدة كل البعد عن مسرح الحياة السياسية وتمثل ذلك في طبيعة الحراك الذي إمتدت طوال عشرة أشهر لنشهد سقوط النظام البشير في الحادي عشر من أبريل بعد أن وصلت المشاركة الشعبية أوجها ، بوصول الثوار الى ساحة القيادة العامة مما جعل الجيش ينحاز الى خيار الشعب ، في تقاليد ليست بجديدة على القوات المسلحة السودانية وإن كانت ظروفه وعوامله مختلفة هذه المرة وموازين القوى فيه متبدلة ومتغيرة عن الانحياز الذي حدث في ثورة 1985 م التي إنحاز فيها الجيش لخيار الجماهير التي خرجت في وجه نظام المشير جعفر نميري ومن قبلها أيضا ثورة أكتوبر من العام 1964 م والتي أذعن فيها الفريق عبود لخيار الشعب ، لذلك من الصعب اللولوج الى مسارات هذه الثورة من مدخل معين ومن تعاريف محددة . بصفتي باحثاً في العلوم الاجتماعية فمن الصعب على الأكاديمي أن يضع تعريفات معينة ومحددة للثورة و عوامل انطلاقها وتراكماتها وماحدث فيها والحجرعليها مغبشا بذلك الواقع ، وإنما عليه طرح الأسئلة و التوسع فيها ، هي مهمة الباحث التي أرى أن تكون نصب عينه لا قولبة المفاهيم ومحاولة تركيب الواقع داخلها ، بهذا تكون الظاهرة هي مركز البحث لا ذاتية الباحث أو توجهات إنها عملية تحرر كاملة وهو ما أحاول جاهدا فعله في هذه الورقة ، فمهمتي التي سأقوم بها هي ليست معالجة وإنما كشف وإستقصاء لمفهوم الكرامة وتجلياته في الثورة السودانية ، مستعرضا بذلك المجتمع السوداني وطبيعة تركيبه الاجتماعية ومن ثم فحص الثورة و الفاعلين فيها ومقاربات أضعها بين الثورة السودانية و غيرها من الثورات التي إنطلقت وسميت بالربيع العربي . لصعوبة ضبط مفهوم الثورة ، فإنني أستخدم عوضا عنه مفهوم ( المسار الثوري ) ، فالثورة إن تناولنا مفهومها نجد أن لكل منهج أو أيدولوجيا تعريف مختلف عن الآخر حسب قواعد المنهج و تأطيراته النظرية ، مما يغيب شئ من الواقع ويخفي أشياء قد تكون مهمة ومركزية من ناحية أخرى لذلك ليست الفكرة بإنتصار للمفهوم وهل هي ثورة أم لا؟ وإنما هو محاولة للإنفتاح إتجاه تشكلات مختلفة للثورة وخصوصا في بلد متنوع ومتعدد مثل السودان إختلفت فيه أشكال التعبير السلمي عن الثورة ، وأصبحت كل مدينة من مدنه التي إنتفضت لها طريقتها الخاصة في التعبير وشكل ( مسار ثوري ) مختلف بدرجات متفاوتة عن بقية المدن . إذن (فالمساور الثوري ) هو الشكل الذي إتخذه الفاعلون في التعبيرعن مناهضتهم للظلم و القهر ، وعبروا به عن رفضهم للنظام الحاكم (نظام الإنقاذ) وممارساته إتجاه المجتمعات السودانية المتعددة ، بالاضافة الى هذا يشمل المسار الثوري التشكلات الاجتماعية و الأدوات التي إستخدمها الفاعلون في الحراك لمواجهة القمع وسوء المعاملة ، وبالتأكيد يشمل المسار الثوري أيضا الشعارات التي رفعت منذ بداية الثورة ، ومنها يمكن أن ننظر الى الثورة كما ينظر الباحثون الجيلوجيون الى مقياس رختر ليس هناك لحظة معينة لها وإنما هى ذبذبات متواصلة تنقطع حينا وتختفي حينا وتتواصل أحيانا ، وهو ما ذهب اليه فؤاد طرابلسي في كتابه ثورات بلا ثوار " أن الثورات العربية هي سلسلة الإنتفاضات الشعبية غير المتوقعة و العفوية إلى أبعد حد " ويذهب أيضا مولدي الأحمر في كتاباته حول الثورة التونسية هذا المنحى أيضا ، "ليس هناك مفهوم واحد للثورة بل عدة مفاهيم، و هي تختلف بحسب طبيعة الظاهرة و سياقها و أهدافها و إطارها الزمني و محيطها الثقافي وبحسب المعنى الذي يعطيه لها أصحابها أو حتى من يتكلم عنها. فالثورة بمعناها الاجتماعي تتجاوز بكثير الأحداث المؤطرة في زمان و مكان محددين" إذن إن هذا المفهوم (المساري الثوري ) ليس بشئ أبتدعه بالمنحى الذي سلكه العديد من الباحثيين لفهم طبيعة الثورات العربية والثورات التي تدور رحاها في المنطقة عموما . وقد يكون إستخدام هذا المفهوم وفقا لطبيعة الفاعلين في الثورة ، فهم ليسوا جحافل العمال الذين خرجوا من مصانع وبيوت البلوتاريا أو تلك النخبة التي خرجت من المؤسسات السياسية و الأكاديمية توزع المنشورات في الطرقات وتهتف إن كان لها دورا في الحراك. إلا أننا يصعب علينا تسمية الفاعليين بصورة مطلقة ونقول أن هذه هي الجهة التي قامت على أكتافها الثورة وهي ميزة هذه الثورات التي كان الفاعل فيها هو من خارج تلك الحدود التي كانت السلطة تلتفت إليهم كلما إرتفعت أصوات الشارع بالرفض و المناهضة . من هم الفاعلون الجدد ؟ يظهر جليا من خلال حركة المسار الثوري منذ إندلاع الحراك في ديسمبر من العام 2018م أن طبيعة هذه الثورة مختلفة عن الثورات السابقة في السودان هذا الإختلاف يكمن في طبيعة الفئات التي شاركت في الثورة وفي صنع أحداثها ، فإندلاع أول حراك حدث خارج حدود العاصمة ، تلك المساحة التي شكلت الوعي السياسي منذ الحركة الوطنية وما تلته من ثورات ، حتى اخر حراك سياسي حدث في عام 2013م في إنتفاضة سبتمبر ، بالاضافة الى إنتقال الثورة مدن السودان المختلفة قبل وصولها للخرطوم ، فالمسار الثوري قد إتخذ منحا مختلفا منذ بدايته بالاضافة الى أن الحراك في الأقاليم حطم من رمزية السلطة بعد أن قام الثوار (الفاعليين ) بحرق دور المؤتمر الوطني ، وإقتحام مراكز جهاز الأمن كسرت بذلك رمزية السلطة وأعلن الفاعلون الجدد هذه المرة سقوط نظام المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم ) ، ويظهر لنا أن هؤلاء الفاعلون هم الفئات التي كانت بعيدة عن الساحة السياسية ، من طلاب وشباب عاطل عن العمل ،بالاضافة الى الشابات اللائي شكلن ملاحم بطولية جنبا الى جنب مع رصفاءهن من الشباب فكان لقب (كنداكة ) هي السمة التي وصفن بها ، وهو لقب أحيته الثورة ويطلق على حاكمات الممالك القديمة للسودان ، وكانت هذه الفئة بعيدة كل البعد عن الحراك السياسي . فالحراك السياسي الذي كان يتبناه الساسة هو خيار المهادنة أحيانا في ظل القبضة الأمنية و العسكرية التي كان نظام المؤتمر الوطني يطوق بها الفضاء السياسي ، الأمر الذي دعى بعض الأحزاب السياسية الى طرح سؤال (الانتخابات ) بعد مقاطعتهم للصناديق في الانتخابات الثلاثة السابقة ، وحدث هذا قبل الثورة بأقل من شهر ، إذن ما يمكن قوله أن هؤلاء الفاعليين الجدد تميزوا بأنهم من خارج الأطر السياسية ،بالاضافة الى أنهم من خارج المناطق التي يتراكم فيها الوعي و توجد فيها تشكلات سياسية تسمح لهذه الفئات بالمشاركة السياسية ونمو وعيهم بالمشاكل التي تحيط بهم من جراء ممارسات النظام القهرية و القمعية وإنما كسروا حواجز لم تكن في إدراكهم أو تصورهم السياسي ، بل شكلت لهم المسار الثوري روح تحدي كسروا بها هذه الحواجز ويظهر هذا جليا في إحتفاءهم بالمواكب الثورية التي كانت تخرج من قلب الأحياء الى الشوراع و الطرقات . إذن يبرز السؤال الأساسي الذي يمكن عبره أن نوجد صيغة تكشف لنا وتفحص موقع الفاعلين في الاطار السياسي القديم ، وأقول القديم لأن المسار الثوري قد أعاد ترتيب الخارطة السياسية بدخول فئات جديدة من المجتمع تشكلت عبر طول الحراك الذي عاشه المساري الثوري الذي ما زالت تدور رحاه حتى يومنا هذا . ماهو شكل الاطار السياسي القديم ؟ تمثل الأحزاب السياسية قوام هذا الاطار الذي تدور فيه مجموعة أخرى من السياسين بشقهم المدني و العسكري (الحركات المسلحة) ، وتعتبر جميع الأحزاب السياسية هي إمتداد للحركة الوطنية سواء أكانت أحزاب طائفية أو عقائدية او أحزاب ذات توجه ماركسي ، تمتاز هذه الأحزاب السياسية بالترهل و النمطية بالإضافة الى سيطرة الهياكل العليا على القرارت وعلى تسيير مسار الحزب وشؤونه الداخلية وعلى كافة القرارت الحزبية ، مما جعل الفاعلون الجدد يفقدون ثقتهم في هذه المنظمات االسياسية التي لحقت بالثورة بعد أن إنطلقت . رغم اختلاف الرواة علي تسميتها ومواعيد انطلاقها هو للعديد ممن كانوا يخرجون الي الطرقات مستقبلين القادم من الاحلام بالرصاص والهراوات ليس مهما واعني بأنه ليس مهما في اطار التنازع بالنسبة لهم لانه لن يعني لهم اليوم اي امر مهم كما كان يهم النخبة السياسية القديمة ، فالاختلاف علي الرمزيات والتواريخ لطالما كان ديدن النخبة السياسية في السودان واهتموا بسرد الحدث وكتابته اكثر من صناعته بصورة حقيقية وفاعلة فمثلا اختلاف اليمين واليسار علي الانتفاضتين السابقتين خير مثال وحتي علي رمزية الشهداء ، فتناطح اليمين واليسار علي (القرشي ) كل ينسب انتماءه له ، لذلك اولى الملاحظات التي يمكن ان نقول ساعدت في نجاح هذه الثورة هو ( التجاوز ) والتجاوز الذي انتجته الثورة هنا ليس تجاوز للسياسة وانما تجاوز للنظرية السياسية في السودان والتي اظنها قد ولدت بشكلها الحالي منذ عام 1924 بعد ثورة اللواءالابيض وصعود المهدية الجديدة "علي المسرح السياسي بزعامة عبد الرحمن المهدي الذي أصبح من كبار رجال المال والاعمال وملاك الاراضي بالسودان ، وذلك بحصوله علي المعونات المالية والقروض والمنح فكانت المهدية الجديدة وليدة نفوذ الشخصي وثراءه وقوة شخصيته وامتزج نفوذه القبلي والمالي" وليس عبد الرحمن وحده من دخل بنفوذه الديني والطائفي الي الساحة السياسية في السودان بل عمدت الادارة البريطانية انذاك الي التعاون مع جميع زعماء القبائل والعشائر . فشكل تحالف الزعيم الاهلي والمثقف ملامح تلك الفترة وسمح للقبيلة والطائفة ان تعيد انتاج نفسها بصورة جديدة تمفصلت داخل البنى الحديثة لمؤسسات الدولة وداخل الفضاء العمومي وتسيطر عليه تماما. ان هذا المشهد الذي شكل بعد اربعة وعشرون هو الذي رسم وصور المشاهد السياسية المتعاقبة فيما بعد، وهو الشكل الذي لم تنجوا منه حتي الاحزاب الحديثة بوقوعها في ذات الشروط التي فرضتها النظرية السياسية فاستبدلت الزعيم الاهلي بضباط الجيش وهو العقم الذي مازال باقيا ليس للسودان وحسب وانما لدول افريقيا عموما وللدول المجاورة للسودان. ان هذه الشروط مرتبطة بشروط السلطة نفسها وخطاب السلطة ، ففي الفضاء الازرق ( فيس بوك ) وجد الفاعلون الجدد ضالتهم في الخروج عن انساق السلطة وبنيتها التي فرضت منذ تأسيس الدولة السودانية فلامحظور هناك او هوية مرتبطة بالابعاد الاجتماعية ، هناك حيث تصاغ الهويات المتعددة المنفصلة عن حمولات مرهقة وشكلية محجوزة ضمن اطر اسرية وتعليمية قاسية فتشكلت ملامح جيل (رافض) للحجز والحجب وباتت التساؤلات مكشوفة امام الجميع ولم يعد سؤال (البديل ) رهينا للكبت فتفككت داخل المنشورات التي ترسل في كل دقيقة سلطة النظام وسلطة الأسرة وبات الجميع في مرمى السخرية والنقد لماذا لم تنتبه السلطة والنظام الرقيب لهذا الاداة الفاعلة ؟ وتوقفها لانها رهينة للنظرية التي افرزتها، النظرية التي غيبت الواقع وحجبت الرؤية تماما عن تغيرات الواقع التي هي ليست تغيرات عمرية فقط وانما تغيرات مرهونة بواقع عالمي متفتح ومتحرك بصورة سريعة، وهي السمة الاساسية التي يتعامل بها شباب الفيس بوك والواتساب وغيرها من التطبيقات الذكية التي جعلت من سرعة الواقع متزايدة بصورة كبيرة مما سمح بتشكيل واقعاسفيري تتخذ فيه الاراء بصورة سريعة ويتجسد ذلك في لحظات كثيرة من عمر المسار الثوري حينما يدعوا الناس للخروج للشوارع فتستجب تلك الجموع في لحظات. ماهو الدور الذي لعبته مواقع التواصل الإجتماعي ؟ تميز المسار الثوري في حراكه عن بقية الأشكال السياسية في الفترات السابقة بتوظيفه للفضاء الإسفيري في ويظهر هذا في المنصة التي إتخذها تجمع المهنيين السودانيين عبر صفحته التي كانت منصة وحدت الحراك الثوري ولعبت دورا مهما ، والغريب في هذه التجربة أن التجمع هو الجسم الموازي للنقابات التي كانت تحت يد السلطة ، ولم يكن للتجمع دور سياسي سابق سوى دعوة أطلقها قبل إندلاع الحراك بأيام من أجل مذكرة للبرلمان من أجل رفع الحد الأدنى للأجور ، ولم يقوم التجمع بالدور الذي قامت به النقابات في الانتفاضات السابقة في تاريخ السودان ، ولكن قام بدور آخر أي بوظيفة أخرى وحل محل القوى السياسية التي فقد فيها الفاعلون الجدد الثقة ، وذلك كله عبر صفحة في ( فيس بوك ) ، لذلك يمكن لنا أن نقول : بأن مواقع التواصل الإجتماعي لعبت دورا مهما في الحراك والمسار الثوري . المساور الثوري هو الشكل الذي إتخذه الفاعلون في التعبيرعن مناهضتهم للظلم و القهر ، وعبروا به عن رفضهم للنظام الحاكم (نظام الإنقاذ) وممارساته إتجاه المجتمعات السودانية المتعددة اهم ما قام به الحراك عبر وسائل التواصل الاجتماعية هو اعادة تشكيل الذات التي لعبت الدولة علي تشكيلها علي مر الثلاثين سنة الماضية عبر برامج التعليم و الوسائل التي تمتلكها السلطة فسيطرت علي عملية التفكير كأولى المراحل التي يمكن له عبرها التسلل الي داخل كل فرد كما يتسلل الماء عبر فجاج الصخر ،ومحاصرة عملية التفكير هي مهمة نظام التعليم "الذي هو علي علاقة معقدة بنظم اخرى ومقولات في غاية القوة مثل : التربية ، الاسرة ، المجتمع ....الخ ." بما أن نظام التعليم في الثلاثين سنة الماضية قد أخذ مفهوم الرقيب علي عقول المواطنين وأفقدهم زاتهم التي من خلالها قد يعبرون عن (رفضهم) اتجاه ممارسات النظام عليهم ، ويرز السؤال الذي قد يكون بسيط في ظاهره معقدا في التفكير حوله (كيف استطاع هؤلاء الشباب الهروب من شرك السلطة اتجاه ذواتهم ؟) يمكن لهذا السؤال ان يتم الاجابة عليه في مجلدات آلاف الكلمات ولكني سأقوم في اختصارها بكلمة واحدة (الخيال) "بقوة الخيال فقط ، استطاع نظام التفكير أن ينفلت مرات من ربقة السيطرة المطلقة للنظام " أتاح الفضاء الأزرق الهروب لهذا الجيل بخيالهم نحو فضاء لم يكن أن يظهر لولا تلك المساحة الاسفيرية ، فالمبادرات الفردية و الجماعية التي تنفذ وجدت حظها الوافر في المتابعة و التفاعل . هل فعلا كانت ثورة من أجل الكرامة ؟ المتابع للمسار الثوري منذ انتفاضة سيتمبر 2013م يرى أن هناك بلورة للفعل المقاوم للسلطة ، ففي سبتمبر خرجت مدينة الخرطوم في أولى المظاهرات التي تلت قرارات الحكومة برفع الدعم عن المحروقات الا أنها أحكمت قبتضها الأمنية و البوليسية على الحراك مما أخمده في أقل من اسبوع ، وخرجت التصريحات النارية من قادة النظام بصورة جعلت من الشعب السودان يستاء بصورة كبيرة وأشرها مقولة (لحس الكوع ) التي صرح بها نافع علي نافع القيادي في المؤتمر الوطني ، وكعادة المجتمع السوداني الذي يستند في موروثه علي التركيبة الإجتماعية القبلية ، وجدت هذه المقولة وقع السيف في أنفس السودانيين هذا بالاضافة مقولة على عثمان الشهيرة التي وصفت الفاعليين في الحراك بأنهم شذاذ آفاق مما أساء للروح السودانية التي تستهجن مثل هذه الاساءات وتعرف هذه المقولات بإسم (الحقارة ) وهي لفظة تطلق على الاساءة ، الأمر الذي وسع من المشاركة الشعبية في هذا الحراك فظهرت روح التحدي و القبطة من جراء مثل تلك المقولات ، بالاضافة الى أن النظام كان ينتهك من كرامتهم عبر الاذلال في فصفوف الخبز و البنزين و الى المعاناة اليومية ، وخصوصا أن النظام في أيامه الأخيرة قد أقام مؤتمرا للحركة الاسلامية السودانية كلفته مئة مليار جنيه ، في حين أن أزمة الخبز قد وصلت حدها فلم يجد الأباء ما يسدون يه حاجة أسرهم وإزداد الذل عندما كان النظام يتنعم بخيرات الشعب وغابت السيولة النقدية عن البنوك فوقف الناس بالصفوف وصارو يتزاحمون على الصرافات من أجل حقهم الأمر الذي أجمع عليه جميع الناس أن ما هذا سوى (ذل) من قبل مؤسسات النظام للمواطن . بالاضافة الى توحش النظام وتغوله الذي بدأ منذ مجيئه على ظهر انقلاب عسكري بدأ واضحا الانحياز الايدولوجي ضد من هو خارج الدائرة التي من خلالها عرف (الدولة والمواطن ) حيثعمل النظام على وضع تعريف معين للمواطن وخلق تراتبية تفكك كلما زادت عليه الضائقة المالية بإنتشار فساد أعضاءه ، فنالت المجموعات الاثنية التي تعيش في مختلف أطراف السودان من ويلات النظام ، بذلك إنتقلت حمى التهميش و الاقصاء و القهر الى قلب العاصمة فتكون نظرة مختلفة إتجاه النظام وممارسات الذل ، وبنفس الخطاب الذي كان يستخدمه (البشير ) رأس النظام ، خرجت الحشود لتعبر عن رفضها الكامل له ، (فبلادي سهول بلادي حقول ) المقولة التي ظل الرئيس يتغنى بها أمام الحشود في لقاءاته ، ما كانت الا جرعات سرعان ما إنقلبت ضده ، فخرج عليهم إبان الحراك ليزيد من سخط الشارع عليه أثناء ما كانت قوات الامن تقتحم المنازل وتروع الامهات وتنتهك حرمات البيوت ، الفعل الذي وجد إستنكارا كبيرا ، وكأن النظام قد تحلل من قيم المجتمع وأعرافه التي ترفض أن تنتهك الحرمات ، فقال بأننا : شعب يكرم الضيف ويغيث الملهوف ويحفظ الجوار ، فتحركت عزائم السودانيين من أجل تحقيق هذه المقولة التي إنقلبت ضد نظام الانقاذ من أجل حفظ كرامتها ، هذا كما شكل قتل الشباب دافعا قويا من أجل اسقاط نظام الانقاذ ، لأن قتل العزل لم يكن من شيمهم أو عاداتهم التي يتغنون بها ويحتفون بها أمام شعوب العالم ، فالسوداني تظل القيم عنده خط أحمر ، يمكن أن يفقد روحه وماله من أجل المحافظة عليها ، وساعد إنتشار تلك المقاطع التي كانت تصور عناصر الأمن وهي تقتحم البيوت عاملا محفزا أدى الى أن تتحدى الموت وتصل الى القيادة العامة ، التي كانت أغاني الحماسة و الفروسية تمثل درعا إحتمى الفاعلون به عندما كانت قوات الامن تهاجمهم قبل سقوط النظام ثلاثة أيام ممتتالية ، حيث كان صغار الضباط يتمردون على رؤساهم ويطلقون النار على قوات الأمن ، فإشارة الى القيم التى يحملونها ويدافعون عنها . ذات الجيش الذي سبه السودانيون عندما فض الاعتصام لأنه لم يقم بحماية من كانو في ساحة الاعتصام وكأنه تنصل عن قيمهم التي أكبروها فيهم عندما كانو يدافعون عنهم . إن هذه الحالة هي شبيه تماما بحالة الثورة المهدية التي خرجت على المستعمر التركي ، الذي جاء بشكل الدولة الحديثة ، فكون نموذجا للدولة يقوم على الضرائب التي فرضت بالقوة على صغار التجار و المزارعين وهمش مراكز القوة التقليدية داخل المجتمع ، فعمل على فرض الجبايات وانتشرت المحسوبية ، وشعر السودانيين بالإهانة الشديدة وخصوصا أن المستعمر التركي لم يحترم المجتمع ولارموزه أو قيمه الاجتماعية ، كانت هذه هي أحد الأسباب التي دعت الامام محمد أحمد المهدي الى الثورة المهدية التي لم تكن على حد قول المؤرخ محمد سعيد القدال : أنها ثورة إستعاد بها السودانيون كرامتهم التي إنتهكها الاستعمار التركي . المدنية واستعادة الكرامة بعد التوقيع على الاتفاق الدستوري بين قوى اعلان الحرية و التغيير والمجلس العسكري خرجت الجموع التي أسقطت النظام المؤتمر الوطني ، فرحة بهذا الانتصار ، رسم التوقيع على الاتفاق الدستوري ملامح لكرامة ظل السودانيون يبحثون عنها طوال ثلاثين عاما ، المدنية التى تخلقت في أذهانهم أنه لا عودة لحكم عسكري الحكم الذي ظل يقهرهم دون رحمة أو يتونى في إذلالهم ، وهي سمة تحملها المؤسسة العسكرية لذلك كانت المدنية هي الطريق الوحيد الذي سلكه السودانيون من أجل حريتهم وكرامتهم و إحقاق العدالة ، تلك الشعارات التي رفعها الفاعلون أثناء الثورة . يعلم السودانيون أن المدنية الكاملة للدولة لا تحقق الا بديمقراطية كاملة وسلام يوقف نزاعات طال أمدها ، الديمقراطية التي غابت عن أجيال طويلة لمدة ثلاث عقود ، لذلك جنح السودانيون الى كرامتهم ، والحالة التي يعيشونها الان ماهو الا شعور بإسترداد كرامتهم ، والثمن الغالي الذي دفعوه من تضحيات من أجل إسترداد هذا الحق في العيش الكريم . المراجع و المصادر 1. حيدر إبراهيم علي ، السودان الوطن المضيع، القاهرة :جزيرة الورد ، 2011 القدال. 2. تاريخ السودان الحديث ، الخرطوم : مركز عبد الكريم مرغني ، الطبعة الثانية ، 2002 مجموعة مؤلفين . 3. الثورة التونسية، القادح المحلي تحت مجهر العلوم الانسانية ، الدوحة : المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ،2014 فوازالطرابلسي. 4. ثورات بلا ثوار: رياض الريس للكتب ، الطبعة الثانية 2014 قاسم عثمان النور. 5. اضواء علي الحركة الوطنية السودانية ، الخرطوم ، وزارة الثقافة الخرطوم ، 2004 محفوظ بشرى . 6. تأملات في العمل والسلطة ،الخرطوم : مشروع الفكر الديمقراطي ، يونيو 2016

252 .9 K

أسبقية-الظاهرة-علي-المنهج

أسبقية الظاهرة علي المنهج حسان الناصر - باحث بمعهد الدوحة للدراسات العليا تتعقد الحياة البشرية شيئا فشيئا وتتقلص الفوارق في المسافات و الأزمنة وحتى الأماكن ، ولم يعد الإنسان ذاك الكائن الذي يزعن الظروف الطبيعة أو مجريات الصدفة ، اتسعت المعرفة الانسانية لتشهد تراكم هائل في شتى المجالات سواء في العلوم الطبيعية أو المعارف الإنسانية وغيرها ، صار بالإمكان أن تسمع مقطوعة منذ القرن السابع عشر وأنت تجلس في قرية بسيطة ربما لم يتصورها عازف المقطوعة . لتصبح الظواهر الإجتماعية أكثر تعقيداً بهذا الترابط ، (فالسوق) استطاع أن يربط بين الموضة التي تنتج في فصل الشتاء علي صفحات مجلات باريس وبين غياب الأم العاملة في مصانع تايوان عن المنزل أو الصراع الذي يدور في الكنغو بين المسلحين و الحكومة هناك . وعدد الأطفال الذين يجندون في قوات الدعم السريع سنوياً . وهذا ما يقودني الي طرح (الظاهرة) كمرتكز أساسي داخل علم الإجتماع ولها أولوية قبل سؤال المنهج ، ولا يعني هذا عدم أهمية المنهج ولكن وفقاً لمقومات البحث العلمي فإن الإطار النظري يسبق الظاهرة في التقدم داخل متن البحث الكتابي ولكن ما أود عكسه هنا هو أن تأتي الظاهرة في عملية البحث و الكتابة أولاً قبل سؤال المنهج ، أي عندما قيام الباحث بملاحظة الظاهرة عليه أن ينحاز في بادئ الأمر لها ليكون جزءاً من تشکلها حتى يخترقها ويعمل على فهم طبيعة حركتها مما يسمح له برؤية أكثر عمقاً ويتعامل معها وفق طبيعتها الداخلية ومن ثم تقوده هي الي المنهج لا يقودها هو ، علي الباحث الإجتماعي ( ليس من باب الوجوب أو الفرض ) أن يتشبع بمقدار من القلق و الشك المتقد الذي يسمح له بالنظر خارج صناديق المناهج وأن لا يجعل من الظاهرة مصفوفة حتى يستطيع فهمها بل عليه أن يزعن للتشتت الذي تقوده إليه الظاهرة . عندما أقول الظاهرة فإنني لا اريد تعريفها تعريفاً منهجية ومعيارياً يكبل من مفهومهاً داخل النص هذا فقد تكون الظاهرة هي ملاحظة بسيطة كأن يتوارد إليك سؤلاً بسيطاً (لماذا دائما ما يرتدي الأساتذة السودانيين بدل واسعة وغير متناسقة) إن هذا السؤال الذي ورد إلي هو من جراء ملاحظة يومية ولكن عندما لجأت الي ذاكرتي وجدت أن هذا المشهد متكرر حتی داخل المؤسسات الرسمية وحتى رئيس المجلس السيادي للحكومة الانتقالية هو علي هذه الشاكلة ، قد يفتح السؤال هذا أسئلة عديدة ومترابطة مع بعضها معنية بطبيعة التربية و الذوق العام ومدى تجانس الوعي الحداثي مع تمثله في المجتمع ومظاهر الزي عند النخبة المتعلمة منذ مراحل دراستهم الأولية وحتى الجامعة ، قد يقود هذا السؤال الي غاهب موغلة داخل المجتمع السوداني ما أردته من هذا المثال هو كيف أن الظاهرة قد يقودها إليك خيط شعاع بسيط ؟ قد تغفل عنه من جراء رؤيتك للمجتمع من خلال المنهج الذي غرس فيك وكبلك ، أن هذا الافتراض الذي أحاول تأكيده هنا مرتبط بطبيعة التعليم وعملية التعلم التي تنتج داخل المؤسس ات الأكاديمية التي تفترض انها تبني الهيكل دون أن تناقش المضمون ولكنها تغفل عن نقطة مهمة وهي أنه بمجرد بناء هذا الهيكل تكون قد صممت خط إنتاج معين للطلاب سيركنون إليه دائما ، لذلك علينا كطلاب أن نوقظ روح القلق الدائم و التشتت الذي لا يمكن أن يتم إحتواءه ، علينا أن نتمرد علي محاولة أي تحديد لفكرة الهيكل هذه ، بالتأكيد أنا لا أعني أن نكفر بالمنهج ولكن أعنى أن يتجاوز التفكير حدود هذه الأبنية الأكاديمية علينا أن نتمرد على تاريخ المعرفة الذي يعطى ونلتهمه دون أن نعيد طهيه من جديد ، علينا أن نبتعد من ثقافة الوجبات الجاهزية في المعرفة وأن نتمرد في فكرتنا المنتجة نفسها وطبيعة العمل علي صك المفاهيم ، وأن ندفع بحس النقد داخل بداية التكوين الأولي الذي يدفعنا لدراسة ما حولنا من ظواهر ، لنبقى على المنهج مجرد أداة لا موضوع اشتغال أساسي يكبل من جماح عقولنا نحو الإنعتاق من هذه الأطر المعدة مسبقا ، علي باحث الإجتماع أن يكون عازف موسيقى يسلم بالمنهج ولكنه يبدع في استنباط المقطوعات .

172 .9 K

المهارات-يجب-ان-تكتسبها-لتحسين-حياتك-المهنية

المهارات خاصة التي يجب ان تكتسبها لتحسين حياتك المهنية مهارات وبرامج الكمبيوتر: من القرارات التي يتعين عليك اتخاذها هي مهارات الكمبيوتر فهي من المهارات مطلوبة وكفيلة لصنع مستقبل مهني لك. ومن هذه البرامج : مايكروسوفت اكسل : وهي أحد برامج المختصة في العمليات الحسابية تصميم جداول البيانات وتنفيذ العمليات الرياضية بالإضافة إلى تصميم الرسوم البيانية مايكروسوفت وورد: هو أحد برامج معالجة الكلمات في تنسيق النصوص وهي من البرامج التي تساعدك في كتابة التقارير العمل اليومية و الخطابات الرسمية وغيرها. مايكروسوفت باوربوينت : هو برنامج متخصص في العروض التقديمية أي تنسيق مجموعة من الشرائح التي يمكن أن تحتوي على نصوص او صور أو أشكال توضيحية لعرض موضوع معين بطريق جاذبة للمتلقي المعلومة . كويك بوكس - Quickbooks : هو برنامج متخصص في الحسابات وإدارة الشؤون المالي في المؤسسات . الاوتوكاد - AUTOCAD :هي من برامج متخصص في المجال الهندسة المدنية يجب على كل مهندس مدني أن يعرفها. خدمات البريد الإلكتروني: إجادة استخدام مواقع البريد الإلكتروني التي تستخدم في المراسلات الرسمية في المؤسسات. روابط لأكثر المواقع البريد الإلكتروني استخداما: https://mail.google.com https://outlook.live.com/ مواقع تخزين النسخ الاحتياطي هي مواقع تخزين وأرشفة البيانات المهمة لتكون مرجعية في حالة تلف أو ضياع البيانات. من أهم هذه المواقع https://mega.nz/ https://www.google.com/drive/ روابط للتحميل : Microsoft+office https://support.office.com/en-us/article/download-and-install-or-reinstall-office-365-or-office-2019-on-a-pc-or-mac-4414eaaf-0478-48be-9c42-23adc4716658 Quickbooks http://mhmegypt.com/download-install-quickbooks/ AUTOCAD https://www.autodesk.com/education/free-software/autocad

870 .8 K

اقتصاديات-القطاع-الزراعي-في-السودان

اقتصاديات القطاع الزراعي في السودان محمد أحمد كرم الله مدون و باحث ثمة عناصر إنتاجية تمثل الأساس او حجر الزاوية بالنسبة لكل نشاط إنتاجي و هي ( الموارد ، رأس المال ، قوة العمل ) كما أنه من المعلوم انه ثمة استراتيجيات مختلفة تتبعها الدول لتمنية هذه العناصر ، و ذلك عبر محاولات السيطرة المستمرة على الطبيعة و حماية البيئة بجعلها مستدامة و ترشيد الهرم السكاني بالإضافة للاساليب المختلفة في إستقطاب رؤوس الأموال و بالنظر للوحدات الانتاجية الزراعية في السودان ، نجده غنياً و متعدد الموارد ، هذا بالإضافة إلى كون السودان لا يعاني نقصاً في العمالة الزراعية بالحد المخيف مع الاخذ في الاعتبار بأن اعداد العمال الزراعيين هي في الواقع في حالة تراجع مستمر و ذلك بسبب الظروف الانسانية السيئة التي يعملون فيها و هو أمر يقود في نهاية المطاف الي الهجرة من مناطق الإنتاج الي المدن بحثاً عن سبل افضل للحياة الكريمة انه و لتقييم عمل اي قطاع إنتاجي سواء كان زراعياً او غيره ينبغي تحليل العناصر الإنتاجية سالفة الذكر و العمل على تطويرها بصورة دائمة كما أنه ثمة اقتصاديات كلية بعينها قد تكون هي الأصلح و الاجدى من غيرها وفقاً لخصوصية المنطقة المعينة و العادات الانتاجية المتبعة فيها. فالحقيقة التي لا غموض فيها هي أن القطاع الرزاعي السوداني يعيش في حالة خاصة لا يمكن وصمها بأنها ضمن اقتصاديات الحداثة المتبعة في الدولة المتقدمة كما أنه من المخل ان يوصم القطاع الزراعي على أنه قطاع ماقبل رأسمالي فهو يخضع لسياسات العولمة الدولية و يقوم على العمل الماجور في سواده الأعظم كما أن قوى العرض و الطلب في البورصات المحلية هي التي تعمل على تحديد الأسعار و بذلك نرفض التوصيفات الأكاديمية الجامدة التي لا تتفاعل مع واقع العملية الاقتصادية السائدة و ما يترتب عليها من محاولات تأويل و ملاحقة للواقع بالنصوص التي لم تنتج اصلا في سياق السودان و علاقات الإنتاج الخاصة به و هو سلوك اكاديمي اتبعه بعض الباحثين السودانيين ، سواء في المستويات التحليلية للمشكلات او في وضع الخطط و الاستراتيجيات تعج الدراسات السودانية بالكثير من العمليات الاحصائية للوحدات الانتاجية الزراعية الكائنة فعليا و كذلك بالابحاث عن الوحدات ممكنة النمو مع تمحيص الفرص و المهددات و هي أغراض بحثية على أهميتها تقع خارج سياق تسليط الضوء الذي يعمل المقال عليه و هو كيف يساهم القطاع الزراعي في عملية التنمية مع مناقشة لبعض الطرق و الوسائل التي نراها ضرورية لعملية التنمية الاقتصادية الحمائية على المنتجات الزراعية، يقصد بالحمائية على المنتجات الزراعية إتباع الدولة لمجموعة من السياسات الاقتصادية التي تعمل على حماية المنتجين المحليين من قوى السوق المعولمة و شروط المنافسة غير المتكافئة، غير أن هذه الحماية تكون نوعاً من العزلة عن العالم و حصار على الموردين و التجار مالم تحدد بسقف زمني معلوم ينبغي أن تنجز الدولة خلاله رفقة المنتجين المحليين قفزات في القطاع الزراعي بما يجعله مؤهلاً للمنافسة عالمياً اي أن الحماية تقدم مقابل الكفاءة المتوقعة و لا تكون مستمرة لفترات طويلة جداً الا في حالات نادرة بوصفها أداة لمكافحة الفقر لدى بعض المنتجين غير القابلين للمنافسة عالمياً حتى بعد فترات زمنية و هنا يقع على عاتق الدولة حماية نمط الإنتاج الخاص بهم و العمل على البحث عن أنماط جديدة بما يسهم في عملية النمو الاقتصادي و الرعاية الاجتماعية معاً سياسة البيع العادل بحيث تقوم الدولة برعاية المنتجات الزراعية المحلية و تعمل على تسهيل عملية البيع من صغار المزارعين الي السوق العالمي ، اي ان الدولة تساهم في خفض مستويات العرض بالنسبة للبورصات المحلية في مقابل البورصات العالمية و يترتب على ذلك عائد أكبر بالنسبة للمزارعين و حصولهم على عملات صعبة بما يسهم في تراكم رؤوس الأموال لدى المنتجين و بالتالي تصبح إمكاناتهم الاستثمارية أفضل و يكون في مقدورهم جلب الأصول الزراعية الحديثة و الاستفادة من التقنيات العصرية ، و هو أمر في مجمله يساهم في زيادة النمو الاقتصادي و رفع مستويات الدخل بما يجعل من القطاع الزراعي جاذباً للإستثمار. بالإضافة إلى كونه يمثل عاملاً مهما في كسر دوائر الدخل المفرغة التي تؤثر بصورة واضحة على كفاءة القطاع الزراعي في السودان تحديد مسارات الرعي و الرقابة عليها تعتبر مشكلة المرعى في السودان واحدة من أكبر المشاكل التي تواجه القطاع الزراعي ، و قد تتعدى المشكلة في بعض تجلياتها الإطار الاقتصادي لتصبح ذات جوانب إجتماعية في حال نشوب النزاعات ما بين الرعاة و المزارعين و هي نزاعات غالباً ما تأخذ مناحي عرقية بحكم تركيبة مجتمعات المزارعين و الرعاة في مختلف ارجاء السودان ، و بالتالي يتحول المنتجين المفترضين الي مقاتلين و متنازعين حول المرعى او حول الهوية ( مجتمع رعاة / مجتمع مزارعين ) اياً كانت قبائلهم بحيث يصبح الانتماء الي الطرف الآخر سبباً كافي للإقتتال . أن القطاع الرزاعي السوداني يعيش في حالة خاصة لا يمكن وصمها بأنها ضمن اقتصاديات الحداثة المتبعة في الدولة المتقدمة كما أنه من المخل ان يوصم القطاع الزراعي على أنه قطاع ماقبل رأسمالي فهو يخضع لسياسات العولمة الدولية و يقوم على العمل الماجور في سواده الأعظم كما أن قوى العرض و الطلب في البورصات المحلية هي التي تعمل على تحديد الأسعار و بذلك نرفض التوصيفات الأكاديمية الجامدة التي لا تتفاعل مع واقع العملية الاقتصادية السائدة و ما يترتب عليها من محاولات تأويل و ملاحقة للواقع بالنصوص التي لم تنتج اصلا في سياق السودان و علاقات الإنتاج الخاصه به وكذلك يترتب على سوء الرقابة على مسارات الرعي خسائر مالية ضخمة جداً ، بحيث لا يجد المزارع الذي يقوم بعمليات إنتاجية زراعية عائداً يوازي تكاليف الإنتاج و يحدث ذلك غالباً بسبب إتلاف المواشي للمحاصيل الزراعية و هو أمر يجعل من القطاع الزراعي برمته قطاعاً انتاجياً غير جاذب للعمل فيه لما يتحوي عليه من مخاطر إستثمارية سواء كان النشاط المستهدف بالنسبة للمستثمر هو الرعي او الزراعة ، علماً بأن الرعي بالإضافة للزراعة المروية و المطرية يشكلون السواد الأعظم من مجمل الأنشطة الانتاجية في القطاع الزراعي في السودان تحسين صيغ التمويل الزراعي من المفارقات المدهشة نجد أن الغالبية العظمى من الوحدات الانتاجية الزراعية هي خارج نطاق تمويل البنك الزراعي السوداني و هو الواجهة الحكومية في الإشراف على النشاط الزراعي من الناحية المصرفية ، و قد كان لهذا الغياب دوره بحيث نشأة علاقات تمويل ما بين المواطنين خصوصاً في مناطق الري المطري و هي علاقات قائمة على الطفيلية أكثر من أي شي آخر . أما المعضلة الحقيقية فقد تمثلت بتبني البنك الزراعي لهذه الصيغ التمويلة السائدة بين المواطنين مع بعض التحسينات خصوصاً فيما يتعلق بصيغة السَلم تحديداً ، و السلم هو أن يقوم البنك أو شخص بشراء المحصول قبل إكتمال جميع العمليات الانتاجية و ذلك بغرض تمويل المزارع ، و غالبا ما يتم شراء المحاصيل قبل إنتاجها بأبخس الأثمان و هو أمر يضر بالمنتجين ايما ضرر بل عله قد يرسم مفترق الطرق ما بين الكثير من المزارعين و النشاط الزراعي و بدلاً من صيغ التمويل السائدة نقترح أن تقوم الدولة بتمويل الأنشطة الزراعية مقابل الأمن الغذائي المترتب على هذه الأنشطة مع هوامش ربح ليست بالمرتفعة في البورصات المحلية و هو ما سيجلب بدوره العشرات من المنتجين المترقعين الي القطاع الزراعي مع الحفاظ على ضريبة العشرة في المئة او الزكاة ، بالإضافة إلى دخول الدولة لهذه البورصات المحلية بإعتبارها أكبر مشتري و بذلك تضلع الدولة في تحديد الأسعار المحلية و هو أمر يجعل الدولة قاب قوسين او أدنى من دخول البورصات العالمية بثقل الإنتاج المحلي و هو أمر يحبذ ان يتم الإقبال عليه رفقة إتحادات المنتجين الدولية المختلفة و الضغط في إتجاه تحسين العائد من المحاصيل خصوصاً تلك التي لا تنتج بوفرة او جودة عالية في كثير من البلدان ، و اذا أخذنا في الاعتبار التنوع الكبير للانشطة الزراعية في السودان و على هدى هذه السياسية الاقتصادية يصبح من المتوقع أن يكون السودان من أكبر المساهمين عالمياً في عملية التداول في البورصات العالمية .

166 .8 K

الدين-والثورة-في-فكر-علي-عزت-بجوفيتش-وعلي-شريعتي

الدين والثورة.. في فكر علي عزت بيجوفيتش وعلي شريعتي القاسم عبدالله الظافر علي الصعيد الشخصي، إزدت فخراً وتهياً وكِدتُ بأخمصيَّ أطأ الثريا، عندما قرأت أنه صلي الله علية وسلم كان يحتفظ بتسعة سيوف وثلاثة رماح وسبعة دروع وثلاثة تروس وأسلحة أخري. فهذا "الرسول الثوري-المقاتل" ما كان ليرضي بالذل والرضوخ للمعاناة، بل كان قدوة في محاربة الشر والظلم والإستبداد، فهذه المقاومة إرتبطت عندنا بمفهوم التدين وهذه الروح هي التي سرت داخل الشعائر الدينية والمظاهر التعبدية وجعلت منها معاني ثورية عميقة، فأصبح هذا المشروع الإلهٰي دافعاً ومؤسساً لمجموعة جوهرية من القواعد السياسية والإجتماعية. فالصلاة يوجد بداخلها معني ثوري عميق. أولٰئك المصلين كل حركاتهم وسكناتهم ثورية، وأولٰئك الثوار وكأنهم في صلاة جماعية - في الصلاة الله أكبر شعار للثورة علي الغوايه الشيطانية والرغبات الدنيوية، وفي الثورة شعار سقوط الطاغية تأكيداً لله الواحد الذي هو أكبر من كل نفس فرعونية. وفي الصلاة نسد الخلل ثورة علي شيطان العنصرية، وفي الثورة التلاحم والحميمية والتضحية ترجمة عملية لهدم أصنام القبلية. وفي الصلاة برنامج ثوري إصلاحي، وفي الثورة برنامج تعبدي إصلاحي، فالمساجد ساحات ثورية، وميادين الثوار مساجد طاهرة. فالثوار هم المصلين، والمصلين هم أئمة ثائرين، وطوبى لمن صلي ثائراً وثار مصلياً. وكذالك سائر الشعائر الدينية من صيام وزكاة وحج وغيرها تتحلي في داخلها بهذه المعاني الحية المتصله بواقع الناس وحياة المجتمع، حيث لا يتسع المجال هنا لسردها تباعاً. بحث علي عزت بجوفيتش (1925 - 2003م) عن المكونات الجوّانية للشعور الثوري وعلاقته وتقاطعاته بالشعور الديني، حيث أن مجموعة المشاعر الثورية مثل التضحية والتضامن والمصير المشترك التي تتخلل الفعل الثوري هي في طبيعتها مشاعر دينية فكل مظاهر الدين تجدها محفزة لإيجاد علاقة حميمية بين الأفراد تسودها الأخوة والتضامن والتضحية. ويعتبر أن المجتمع الذي تسيطر علية هذه المشاعر الثورية هو في حقيقتة يعيش في حالة دينية، وبالتالي فإن المجتمع الذي يعجز عن التدين يعجز أيضاً عن القيام بالثورة لغياب المحركات الداخلية لها. كما أنه أحدث مقارنه هامة بين الدين المجرد والإسلام، الدين الذي يأخذ موقفاً سلبياً من الإعتقاد الإنساني بتنظيم العالم الخارجي أو تغييره ويعتبرها خطيئة، بإعتبار أن العالم الخارجي تهيمن عليه قوي الشر والشيطان ولا سبيل لإصلاحه، مبلغ المتدين في هذا الدين المجرد هو ذاته وتجنب الزلات، فيقدم هذا الدين إجابة علي سؤال كيف تحيا في ذاتك وكيفية مواجهة هذه الذات إستناداً الي مقولة المسيح "مملكتي ليست في هذه العالم". وعلي الجانب الآخر يقع الإسلام الذي يقف موقفاً إجابياً من التعامل مع الواقع بل يدعو الي العمل علي تغييره، وبذلك يكون الإسلام قد قدم إجابة علي سؤال كيف تعيش في العالم مع الآخرين ويتعدى التمحور حول الذات. ويتضح ذلك عندما تجنب المسيح دخول القدس لأنها مدينة الفريّسيين والدجالين والكفار وأصحاب الإيمان السطحي، في حين آثر محمد (ص) دخول مكة وكان الإسلام دائماً يبحث عن هذه المدن والأمصار حتي يفتحها ويصلح ما بداخلها، رحلة غار حراء وأسواق مكة جمعت بين الشحذ الروحي الفرداني والتعامل مع الواقع الحياة والمجتمع بغية إصلاحة وبذلك إستمد الإسلام سمته في التعامل مع الواقع والعمل علي تغييره. وبذات النهج إنطلق علي شريعتي (1933 - 1977م) في البحث عن ماهية الدين الثوري أو دين التوحيد (الإسلام)، ذلك الدين الذي يغذي أتباعه ومعتنقيه برؤية نقدية حيال كل ما يحيط بهم من بيئة مادية ومعنوية، بل ويحثهم للسعي وراء ذلك دائماً وأبداً، كما عبر عن الكشف عن سمات هذا الدين بالبحث في أثار الحركة الأولي لأنبياء التوحيد حيث إعتبر تلك الحقبة هي الأصدق في نقل والكشف عن المعاني الداخلية للدين، فكانت حركة الأنبياء عبارة عن رفض للوضع القائم وتمرد علي كل جور وفساد وأتي هذا المعني مصاحباً للعبودية والخضوع لله وحده. وأخذ من حركة موسي علية السلام الذي كان ثائراً في وجه ثلاث أقطاب قارون الذي كان يمثل الرأس المالية، وبلعم بن باعورا ممثل لشخصية رجل الدين المنحرف، واخيراً فرعون صاحب أبشع إستغلال للنفوذ السياسي والسيادي. وعلي الجانب الآخر كشف علي شريعتي عن ماهية الدين التبريري أو دين الشرك الذي يقع في تضاد مع الدين الثوري أو التوحيدي، الذي يبرر الوضع القائم عبر تحريف المعتقدات والمباديء العقائدية، ويحاول بهذا إقناع الجماهير بأن وضعهم الراهن هو الأمثل ويجب أن يرضوا به لأنه مظهر لإرادة الله ويندرج هذا التبرير تحت المصير المحتوم الذي كتبة الله. إتفق كل من بجوفيتش وشريعتي في تتبع ذات المنهج بتقسيم كل الدين الي قسمين رئيسيين، عند بجوفيتش تجده مايّيز بين الدين المجرد من ناحية والإسلام الدين المطلق من ناحية أخري، وكذلك شريعتي مايّيز بين الدين الثوري أو دين التوحيد والآخر الدين التبريري أو دين الشرك. كما إتفقا علي المحرك الداخلي لدين التوحيد-الدين الثوري (الإسلام) وهي عدم إستثنائيتة للواقع وتعاملة المباشر معه بل حث معتنقيه علي تغييره ما أمكن بعكس الدين المجرد أو التبريري (دين الشرك) الذي يسوغ لقبول الواقع ويجعل من ذلك حتمية إلٰهية يجب التسليم لها. وتتسع المقارنة حتي تصل الي الظلال التي تنعكس علي المجتمع الذي يعتنق هذا الدين أو ذاك، حتي في أنماط معالم الدينية توجد فوارق لها ظلال علي المجتمع فهنالك مقارنه بين الدور الوظيفي للكنسية والمسجد علي سبيل المثال أو بين الطبقات والفوارق التي أحدثها الدين المجرد كالرهبان والأكليروس وعامة الشعب والتي لا تجد لها وجود في دين الثوري أو الإسلام. أخذت الأفكار الرئيسية للمفكريّن من كتابي الإسلام بين الشرق والغرب - علي عزّت، ودين ضد دين - علي شريعتي.

152 .8 K

المنحة-جامعة-العلوم-الطبية-والتكنولوجيا-2021

جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا تعتبر أحد أميز مؤسسات التعليم العالي الخاصة في السودان ومن أفضل الجامعات من حيث البيئة الجامعية والإمكانيات المتوفرة وهيئات التدريس،والمنح التى تقدمها للطلاب المتميزين. عن الجامعة: جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا (UMST) تُعرف أيضاً باسم جامعة مأمون حمِّيدة نسبةً لمؤسسها بروفيسور مأمون محمد علي حميدة، هي جامعة سودانية خاصة تأسست عام 1996م باسم أكاديمية العلوم الطبية والتكنولوجيا، وفي عام 2006م تم ترفيعها إلى جامعة.وتتخذ الجامعة من مدينة الخرطوم مقراً لها. عن المنحة: درجت جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا على تقديم منح للطلاب المتميزين أكاديميا وحفظة القرآن الكريم والمسيحين وطلاب الحالات الخاصة وفئات أخرى ضمن المسئولية الإجتماعية للجامعة . بلغت نسبة طلاب المنح خلال العام السابق 12% من جملة الطلاب بعدد 349 منحة. تكمل الجامعة هذا العام 25 عاما من سنة تأسيسها 1994لتحتفل بيوبيلها الفضي وتعلن عن منح اليوبيل الفضي للطلاب المتفوقين أكاديميا ولم يجدوا الفرصة في الجامعات لهذا العام في جميع المجالات التي تقدمها الجامعة. الإعتراف والإعتماد يتم الإعتراف بالجامعة من قبل العديد من المؤسسات والمنظمات الدولية منها : وزارة التعليم العالي والبحث العلمي منظمة الصحة العالمية المجلس الطبي العام من المملكة المتحدة اتحاد الجامعات العربية. معلومات الفرصة : الدولة: السودان الجهة المانحة: جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا المراحل الدراسية : البكالوريوس الجنسيات التي تستطيع التقديم: للسودانين فقط. نوع التمويل : غير ممولة بالكامل. العدد الكلي للمنح : 45 منحة(بمقدار 3 منحة لكل تخصص تقدمه الجامعة) المنحة مجانية بالكامل وليس هناك رسوم عند التقديم للمنحة. مميزات المنحة : الإعفاء الكامل من الرسوم الدراسية . المنحة لا تشمل تكاليف السكن والمعيشة والراتب الشهري. التخصصات المتاحة : الطب والجراحة الصيدلة طب الأسنان علوم المختبرات الطبية علوم التمريض علوم التخدير علوم الاشعة الهندسة الكهربائية الهندسة المعمارية الهندسة الإلكترونية الهندسة الطبية نظم المعلومات تقنية المعلومات علوم الحاسوب إدارة الاعمال الاقتصاد التطبيقي العلاقات الدولية و الدراسات الاستراتيجية علم الاجتماع الدراسات البيئية الإعلام القانون تنبيه يتم إختيار تخصص واحد فقط عند التقديم للمنحة. الشروط: أن يكون المتقدم سودانيا من حملة الشهادة السودانية أو الأجنبية. أن تكون نسبة الشهادة السودانية والأجنبية مؤهلة للقبول في الكلية التي يقدم فيها المنحة. أن لا يكون المتقدم قد تم قبوله في إحدى الجامعات .ما يعني أن المنحة للطلاب غير المقبولين هذا العام (2020) فقط. الأوراق المطلوبة للتقديم : الشهادة السودانية فقط او الشهادة الأجنبية بعد معاملتها. نسب القبول: الطب 80% طب الأسنان والصيدلة 75% علوم الأشعة والتمريض والتخدير 70% الهندسة بأنواعها 75% معايير الإختيار : التنافس يتم وفقًا للتميز الأكاديمي(النسبة في الشهادة السودانية او ما يعادلها وفي حالة تساوي النسبة تقوم لجنة الإختيار بالفرز بمعايير معينة. إعلان النتائج: سيتم إعلان النتائج على الموقع الإلكتروني الخاص بالجامعة. تنبيه : تخضع المنح لشروط وضوابط لائحة المنح الدراسية للعام 2020 المنشورة ولوائح الجامعة بالموقع الالكتروني. طريقة التقديم يتم التقديم عن طريق الموقع الإلكتروني للجامعة www.umst-edu.sd مواعيد التقديم من ١٣ مارس حتى ١٩ مارس ٢٠٢١ الساعة ١٢ ظهراً.

6 .8 K

الثورة-السودانية-وتفكيك-النظام-الأبوي

الثورة السودانية وتفكيك النظام الأبوي حسان الناصر باحث بمعهد الدوحة للدراسات العليا – علم الإجتماع والأنثربولوجيا الناظر الي حالة المجتمعات التي لم تنعم بديمقراطية طويلة المدى، يرى أن هنالك إشكال أساسي في تجربتها سواء أكانت علي الصعيد المؤسسي في الفضاء المدني أو علي المستوى الإجتماعي بين الأفراد، ومما لاشك فيه فإن مجتمعا مثل المجتمع السوداني يعيش حالة من الإنفصام ( المفارقة بين المجتمع والدولة كما ينبغي أن تكون عليه ) داخل تقسيماته الإجتماعية (فالمدنية) التي كانت شعار رفع بعد سقوط النظام الإسلامي الشمولي لا تتجسد إلا داخل (المدينة) في صورة مادية مخالفة لطبيعة الريف وليست فضاء مدني بكامل حمولته الإقتصادية والسياسية فلم تتم إعادة إنتاج العلاقات الإجتماعية وفقا للمصالح الإقتصادية المشتركة أو بوعي سياسي مختلف عن الوعي العشائري الذي يقوم علي الحس القبلي للأفراد بمعنى أن العلاقات الإجتماعية لم تنتقل بعد من علاقات الدم إلى علاقات العمل وهذا ما انعكس بطبيعة الحال على مؤسسة الدولة و الممارسة السياسية للأنظمة التي تعاقبت على سدة الحكم منذ الاستقلال. إن شكل المجتمع السوداني وتشكلات السلطة الإجتماعية فيه ما زالت تحافظ علي وجودها وتدافع عن هذا الوجود منذ ظهور الحداثة في المجتمع السوداني بصورتها المؤسسية التي جبل عليها أفراد المجتمع قسرا عبر الاستعمار ، ولم تتجسد القيم التي تسمح للفرد بالابداع وبناء فضاء حر يعبر من خلاله عن ذاته. وليس هذا وحسب بل عملت هذه السلطة علي إنتاج نفسها داخل أوعية الحداثة الجديدة بحيث إستوعبت الحداثة في شروط جديدة وأنتجت الحقل السياسي و الثقافي والإقتصادي في ظل سلطة إجتماعية متمركزة نحو ( الأبوية) فتشرب النظام السياسي و العلاقات الإجتماعية هذه (الابوية) فظهرت في النظرية السياسية وظهرت في شكل القوانين المقيدة للحريات بجانب ظهورها حتى في طرق التفكير و السلوك الإجتماعي للأفراد و الجماعات . إنّ انتزاع الهويّة الذكورية إذن يتمّ بتنظيم من الجماعة، وذلك بتشجيع هذا الانفصال عبر سلسلة من طقوس التنصيب الموجهة للترجيل بدءاً من حلق شعر الرأس مروراً بالألعاب والألبسة الذكورية والتمنطق بالخنجر وصولاً إلى رياضات خاصّة كالصيد، قطعاً مع العالم الأمومي للفتيات القريبات من أمهاتهن الأهمية لا شك فيه أن الثورة التي جرت في ديسمبر قد طالت ليس النظام السياسي وحسب وإنما حتى النظم الاجتماعية التي وفرت مناخا ملائما لعمل النظام الشمولي قد طالها التغيير أو هي الان في طور التحلل و الذوبان لذلك تفحص هذه الورقة سؤال حول هذه القضية وهي الي أي مدى يمكن للثورة تفكيك النظام الابوي علي المستوى الاجتماعي لكي نستطيع فهم المصطلح لابد لنا من البحث في كتابات بورديو التي يمكنها أن تفسر لنا حالة الهيمنة الذكورية التي تعيشها مجتمعاتنا العربية عموماً و المحلية بالخصوص ، إن بناء بورديو المفاهيمي يقوم علي أساس تحليل تلك البنى التي علي إعادة انتاج النموذج الذكوري في تشكل الافراد (ذكور، اناث) ، لا يختلف نموذج الابوة عن الذكورية فهو الاصل ينطلقان من ذات الخطاب الذي يستند عليه الاثنان معا. النظام الابوي أكثر شمولية عند قراءته من الهيمنة الذكورية فدراسة النظام الأبوي تفسر لنا حالة الذكورية التي تمارس داخل نظام المجتمع إذن يمكننا أن نقول بأن الهيمنة الذكورية تجد متسعاً لها في ظل النظام الابوي السائد في المجتمع ومؤسساته. التحليل : إن المجتمع الذي تقضي ثقافته بجعل السيطرة والسلطة بين أيدي كبير العائلة أو الجماعة القرابيّة. والاعتقاد بتفوّق الرجل بدنيّا واجتماعيّا وبانخفاض مركز المرأة وطبقا لهذا النظام ينتسب الأولاد للأب وتقيم الزوجة حيث يوجد مسكن الزوج. يتضح في المجتمع الأبوي أن تركيبة المجتمع ( تقليدية ) أي أنها لم تنتقل بعد الي علاقات تكون تركيبتها تقوم علي أساس العمل أو المصالح المشتركة ، المشاهد الى الحالة الإجتماعية في السودان يرى أن النظام الأبوي متمثل في الشكل العام للمؤسسات السياسية و الخطاب أيضا الذي نتنتجه هذه المؤسسات ، فإذا نظرنا إلى المؤسسات الحديثة مثلا نجد أنها تمثل صورة أخرى من صور الأبوية . بمعنى أن النظام الأبوي في الأساس يستند علي تركيبة المجتمع (التقليدية ) ، والتي تستند في الأساس علي متركزات رئيسية أصبحت جزء من الثقافة و السلوك الإجتماعي ، فالمقولات الدينية و السردية الإجتماعية تعزز من هذه القيم الأبوية لتكون من صميم تفكير المجتمع وهويته الثقافية حتى التي يعبر عنها في النشاط الثقافي وفي التراث وغيره . إن الشمولية ماهي الا تحالف بين نظام أبوي ومؤسسات أكثر أبوية في الدولة ، فالأسرة الصغيرة يتمثل فيها الأب دور الدكتاتور الذي يرى مصلحة الجميع وهم لا يعرفون مصالحهم لذلك من واجبه أن يحميهم ويحافظ عليهم. إن نظرنا الي المؤسسات الحديثة في المجتمع نرى أنها قد شبعت بهذه القيم فالمدرسة و المنهج نجد أنهما يمارسان سلطة قهرية متمثلة في الوصايا التي تفرضها إتجاه التلاميذ مطابقة تماما لتلك التي تمارس من قبل الاب ، والتي تطابق قيم المجتمع الأبوي . فتطابق النموذج الحديث للدولة مع قيم الأبوية ليشكل تعقيدا شائكاً ، وليس هذا وحسب بل وفر الخطاب الديني غطاءاً جيداً لهذه الأنماط السلطوية مما سمح لها بري الوعي العام بهذه القيم . فمن خلال القهر الممارس تعمل تلك المؤسسات علي إعادة إنتاج الأفراد ، وبالتأكيد لا تقف الأبوية عند هذا الحد بل تنتقل الي المؤسسات السياسية أيضا والى النظرية السياسية علي مستوى الممارسة وعلي مستوى النسق المعرفي للنظرية السياسية ، فيحل الحزب مكان القبيلة والأمين العام أو السكرتير محل الأب فتمارس الأبوية داخل المؤسسة أيضا من أعلى هياكلها إلى أدنى مستوياتها بل ينتقل هذا الخطاب الي الفضاء العام ليتماهى مع التصورات الإجتماعية . لاشك أن الأبوية والشمولية متلازمات والنظام السياسي الشمولي في حقيقته هو نظام أبوي ، فيفرض الوصايا و يحد من الحقوق ويمنع كافة أشكال الحرية أو الفردانية وتصبح الدولة حينها أشبه ما يكون بالقبيلة أو الأسرة فتمحى الهويات المختلفة وتذاب في قالب واحد كما ألواح الصابون ويتماهى المجتمع والمؤسسات في جلباب واحد لا إختلاف فيه . إن الشمولية ماهي الا تحالف بين نظام أبوي ومؤسسات أكثر أبوية في الدولة ، فالأسرة الصغيرة يتمثل فيها الأب دور الدكتاتور الذي يرى مصلحة الجميع وهم لا يعرفون مصالحهم لذلك من واجبه أن يحميهم ويحافظ عليهم ، بالتأكيد إن هذا الخطاب هو نفسه خطاب الدكتاتور العسكري ، فهو يخاف علي البلاد من التفكك و الانحلال و الضياع ويخاف عليه من أن ينهار ويتفكك ، إن ( عمر البشير ) ما هو إلا تمثل لصورة الأب داخل المجتمع السوداني ، بكافة مؤسساته التي كانت تعمل علي قهر المجتمع فالأنظمة الشمولية تعمل علي إفقار المجتمعات عبر مؤسسات الدولة بحيث تكون القوة المادية و الإنتاج يعود إليها ، وتحل مؤسسات الحزب أو الجماعة محل مؤسسات الدولة ، هنا بالتأكيد ينحل العقد الإجتماعي بين الأفراد والدولة ويصبح الأفراد مجرد رعايا في طرف الدولة ، وأحيانا تكون الدولة أشد قهرا من الأب ومن الأسرة . إلا إنهما وجهان لعملة واحدة . ولا أعني بهذا أن الدولة بنموذجها الحديث هي بريئة من هذه المعضلة وأنها ليست أداة قهر هي الأخرى ، مما لا شك فيه أن النموذج الحديث للدولة في السياق السوداني إتخذت نموذج قهر منذ التركية ، ويظهر ذلك في النزعة المركزية التي أسست علي أساسها كانت أشد بطشا بالمجتمعات ، وإتخذت من القمع أداة لتوحيد المجتمعات القبلية مما خلق فجوة بين الدولة و المجتمع متمثلة حتى يومنا هذا ، ويظهر ان الأفراد و المجتمعات يشعرون بحالة اللاإنتماء للدولة وأنها ليست معبرة عنهم وخصوصا المجتمعات التي تعيش علي هامش السلطة ، مما تمظهر ذلك في حروب ونزاعات إمتدت لأكثر من ستون عاماً . أبرز مافي هذه الثورة من سمات هي السلمية الخاتمة : إذن كيف يمكن لنا وبعد ثلاثون عاماً من حكم أبوي شمولي أن ننفذ لحالة جديدة يستعيد فيها المجتمع عافيته ويجد الأفراد حقهم السياسي في التعبير عن أنفسهم كمواطنين لا كمقهورين ويعاد صياغة الدولة الحديثة من الحالة الإستعمارية الى الحالة الوطنية التي يجب أن تعيشها المجتمعات . لا شك أن الثورة تمثل لحظة إنتقال من وضعية تاريخية الي وضعية مختلفة تماما ، فالثورة التي قامت ظهرت في بادئ الأمر كأنها حركة تمرد في المقام الأول علي الطبيعة الإجتماعية للمجتمع وظهر هذا جليا في الفترات الأخيرة من حراك الثوري . مع أن الثورة إنطلقت علي وضعية سياسية إقتصادية إلا أنها سرعان ما تغيرت الي مواجهة مباشرة علي مستويين : المستوى الأول المواجهة السياسية مع النظام الشمولي حيث واجهة الحراك الخطاب الشمولي عبر بلورة مواقف معبرة وتجلى ذلك في خطاب الثورة نفسه (حرية – سلام -عدالة ) ومن ثم مواجهة مع آلة العنف والبطش المتمثلة في المؤسسات الأمنية و البولسية للنظام . وهي في الحقيقة في ظاهرها مواجهة لنموذج الدولة الحديثة الذي تبلور منذ الاستعمار ، فالمؤسسات التي تعبر عن الدولة مازالت باقية في نموذجها الإستعمار الخالص ، فالقصر الجمهموري وإن كان يحمل رمزية الحاكم العام مازال محافظاً علي هذه الرمزية لنرى أن الرئيس ما هو إلا أمتداد للحاكم العام . وقد يكون أبرز مافي هذه الثورة من سمات هي السلمية ، وهنا نشير الي تغير الشروط التي كانت يمكن أن تبقي علي النظام القمعي إذا ما سقط الفاعلون فيه وهو ان يجروا الى العنف . بذلك تكون الممارسة الثورية قد نقلت سلطة الدولة الي شروط مختلفة عن الشروط التي تلعب فيها ، مما أدى الي خلل في عمل الأجهزة الأمنية ، والنموذج اللامركزي الذي إبتدعته قوى الثورة الإجتماعية أدى الي أن تعيق تفكير الدولة و تشتت عملها ، فالشروط الذي أنتجت العملية السياسية هو نموذج مركزي خالص إستطاع أن يكبل من عمل القوى السياسية بسبب أنها تتخذ من ذات الممارسة شكلا لها . يبدو أن الثورة قامت علي النموذج النظري للممارسة السياسية التقليدية ، الذي يسند علي المركزية وتحكم السلطة المركزية للحزب أي أن الثورة لم تقم علي مشاكل الدولة و المؤسسات بل تجاوزتها لرفض المؤسسة المنتجة لهذا النموذج وهذا ما ظهر جليا في رفض القوى الثورية ( لجان المقاومة ، لجان الأحياء) ، بالتأكيد هذا الرفض ليس ناتجا من تنازع حول مسألة سياسية وإنما نابع من شكل إجتماعي آخر يخفي هذا الرفض ، وأذهب الي تفسير هذا الرفض الى أنه رفض للمؤسسة الأبوية والذكورية في المجتمع السوداني . بالتأكيد لا تنفصل السلطة الإجتماعية عن السلط السياسية . فالثانية تستمد قوتها وفعلها من الأولى ، وتساهم السلطة السياسية بالتأكيد في إعادة بناء السلطة الإجتماعية من جديد فالناظر الي حالة الأسرة السودانية قبل ثلاثين عاما يرى مشهدا مختلفا تماما ، فلقد قام النظام السياسي بإعادة تعريف الأسرة نفسها وبمعنى آخر إعادة ترتيب المجتمع ومراكز قوته عبر أدوات السيطرة بكافة أنواعها ، مما أعلى قيمة الأب بحيث تتماثل الأسرة مع قيم السلطة وتشكلاتها . لذلك كان رد الفعل الإجتماعي عند قيام هذه الإحنجاجات مختلف تماما وإن كانت معاناة الأب الإقتصادية اكبر وأقسى بإعتبار الإمتيازات التي ينلقاها من جراء القيام بوظيفته الإقتصادية داخل الأسرة تصادم هذه القوى الجديدة هو في الأساس تصادم قيمي ونزوع نحو كسر هذه السلطة ، فالقيم التي يحملها الشباب هي مختلفة تماماً عن تلك القيم التي نشؤو عليها ، فلقد تمت إعادة انتاج هذه القيم وتعريتها تماما في حقل مختلف عن الحقل الأسري ، فمواقع التواصل الإجتماعي و إبتعاد الأب عن الرقابة الأسرية سمح وخلق فجوة مما أدى الي دخول قيم جديدة مختلفة عن تلك الأسرية ، فمجموعات التي علي (الواتساب ) سمحت لأن تتم أعادة ترتيب لفضاء الأسرة نفسه فبدل أن تكون التراتبية موجودة داخل فضاء المنزل مثلا أن تنفصل أماكن جلوس الرجال عن النساء ، سمحت هذه المجموعات بأن تكون كل الأسرة موجودة في مكان واحد مما يسحب الفضاء الأسري الي مكان تصير فيه لغة الحوار متداولة للجميع. بالإضافة الي هذا الأمر فإن الأزمات الإقتصادية التي عصفت بالمجتمع في كل الطبقات و الفئات سمحت بخروج العديدين من الشباب و الشبات وربات المنازل الي سوق العمل مما أعاد طبيعة ترتيب السلطة داخل منظومة الأسرة وبالإضافة الى خلق قوى إجتماعية جديدة متحركة داخل الفضاء العام ، مما غير من المشهد العام للمجتمع فأصبح وجود المرأة في الساحة الشعبية بدل أن تكون المقاهي مثلا و المطاعم فضاء ذكوري تام إقتحمت المرأة هذا الفضاء وأعادت صناعة الخطاب ، إذن يتضح أن التغير الذي حدث للبنى الإجتماعية صاحبه تغيير في كافة مكامن السلطة الأبوية التي كانت تمثل حجر عثرة أمام أي تغيير أو محاولة خلق فضاءات جديدة . لا يبدو أن بعد سقوط النظام قد تبدل الحال كثيرا لطبيعة التغيير الإجتماعي الذي يحتاج إليه المجتمع ولكن يمكن أن نقول : الساحة الإجتماعية قد باتت الأن تسمح بنشوء حركة إجتماعية تعيد صك مفاهيم جديدة وقيم جديدة تسهم في ذوبان البنى الأبوية التي كانت تتحكم في مفاصل المجتمع ، وقد لا يحدث هذا الأمر ويرتد المجتمع مرة أخرى لنفس البنى القديمة بسبب ربط نجاح الثورة من عدمها بالوضع السياسي وهو الفخ الذي ستجر له هذه القوى الإجتماعية ، مالم تعمل علي بناء بردايم نظري يفضي الي تغيير من بنى المجتمع وجل ما قد يغشاه المرء أن يحدث هذا الإنتقال الاجتماعي ونحن مجبولون عليه فتنعكس الصورة السابقة بكامل حمولتها بمعنى أن تحاول القوى السياسية فرض توجهاتها الفكرية علي المجتمع دون أن توجد حد أدنى من درجة الوعي بهذه التحولات مما يسمح بإرتداد المجتمع وإحداث شرخ فيه كما هو موجود في العديد من البلدان التي ظهر فيها التطرف نتيجة للقمع السياسي و القوة في فرض التوجهات الحداثية . المراجع و المصادر : 1. يير بورديو، الهيمنة الذكورية، ترجمة سلمان قعفراني، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2009 أحمد زكي بدوي . 2. معجم مصطلحات العلوم الاجتماعيّة. بيروت: مكتبة لبنان , الطبعة الثانية ،1993 هشام شرابي . 3. النظام الأبوي واشكالية تخلف المجتمع العربي. ترجمة محمود شريح. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1992

824 .6 K

مِهنة-مَنْ-لا-مِهنة-له

فوق اليابسة | مِهنة مَنْ لا مِهنة له أُبي عمر سليم _ مُدون منظمة الصيادلة السودانيين يُعتبر القطاع الصحي من أهم القطاعات في بناء الدول والمجتمعات والمؤسسات والأفراد دون استثناء إذ تُشكل الصحة حجر الأساس للإنسان التى تمكنه من الإنتاجية والقيام بنشاطات بدنية و ذهنية من أجل تحقيق غرض معين و ذو منفعة سواء ذاتية أو مجتمعية على حد سواء. نتيجة لذلك، فقد اقترن التسجيل للكليات الطبية دوماً بِشروطٍ مُعينة تُميزها عن باقي الكليات، مع التأكيد على أن المُهندس بإمكانه ان يتسبب في هدمِ عِمارةٍ على رؤوسِ ساكنيها، و بإمكانِ خريجِ اللُغات أن يُترجم معلومةً خاطئة وغيرها من الأشياء المُهمة لكل المجالات بلا استثناءٍ و لكنني تعمدت التركيز على مجالِ الصحة و العُلوم الطبية كوْنها ذاتِ موضعٍ حساس و مؤثر؛ بطريقةٍ مُباشرة على سُلوكيات المريض وحياته و إسلوب معيشته للمدى القريب والبعيد. في عالم الصيدلة بالسودان، وعلى قدر أهمية تلك المهنة يبدّو الصيدلي هو المسؤول الأول والأخير عن جميع العلاجات بأنواعها وتوفير جميع المستلزمات الطبية بالمستشفيات، و بإعتبارهِ آخر فرد من القطاع الصِّحي يقابل المريض، وغيرها من الأشياء،فإننا نعيش في تهاونٍ غريب، بل و معيبٍ من جانب الجِهاتِ الرقابية و العناصر القانونية المسؤولة في مواجهة عديمي الضمير الإنساني و عاشقي المادة بكامل أشكالها. لكم أن تتَخيلوا أن هيئة التدريب الرسمية في السودان تعترف بما يسمى بكورس الصيدلي الوظيفي، و مدته ثلاثةِ أشْهُر أو شهرين وقد يصل لشهر واحد مُكثّف، بل و يُمكّن توثيّق شهادته في الجهات العليا، ليس هذا فقط، بل يمكن كذلك العمل به و هو معترف به من قبل أصحابِ الصيّدليات و بمرتبٍ مُعيّن وِفقاً لِمّا يتفق عليه الطرفان هل تعلمون أين المصُيبة، هل تستطيعون تصّور حجم هذّهِ الكارِثّة، فالغالبية من أصحاب الصيدليات بتفكيرهم الاستثماري (المنطقي) يُفْضلُون التعاقُد مع صاحب الثلاثة أشهُر حيثُ يُعتبر مرتبه أقل بكثير من مُرتّب الصيّدلي و لا يُكلّف صاحب الصيدلية شيئاً إذ يتفقان الطرفان في الفائدة المادية و تغيب عنهما الفائدة الصحية للمريض أو اختيار أفضل خيار له حتى و إن لم يكن موجود بالصيدلية ليس هذا فقط، بل إن صاحب الثلاثةِ أشهُر يعمل بنفس دوام الصيدلي صاحب الخمسة سنوات دراسية و ينال رضاً أكبر من غالبية أصحاب الصيدليات والضحية الأول و الأخيرة هو المريض الذى وثق في الصيدلية أولاً ومن ثم وثّقَ في من يُحادثّه ظناً أنه ( الصيّدلي صاحب البِكالريوس على أقل تقدير) و لم يكن يعلم أنه ( الموظف ذُو الثلاثة أشهر على أقصى تقدير) القضية لا تتوقف عند هذا الحد، فالأضرار المُترتبة على تلك المُعطيّات أكبّر بكثير من ذلك و سأعطيكُم مِثال واحد في هذا المقال، تخيلوا أن أحد مرضى الغُدة وُصف له علاج يسمى بال (Carbimazole) و هو خاص بنشاطات الغُدّة، فتم إعطاءهُ بِما يُسمى ب (Carbamazepine) وهو مُضاد للصرّع والتشنجات، والمُصيبة الأكبر أن المريض ظل يُداوِم عليه لِمُدة شهرين قبل أن يكتشف أحد الصيادّلة ذلك الخطأ الكارثي و المُدمّر للصحة من كل المستويات! إِن صاحب الثلاثةِ أشهُر ( إن لم يكن شهرين أو شهر ) لا تنحصّر مصائبه في صرفِ الدواء الخاطئ فقط، بل كذلك بصرف الأدوية الغير لازّمة ( الإيراد أولاً و آخرِاً ) و تحديدِ جرعات خاطئة و إعطاء معلومات لا أساس لها من الصِحة، خاصةً مِثل الممنوعات في إستعمال الدواء و محاذيره وتفاعلاته مع الأدوية والاطعمة و الأعشاب، ومن أين له بِمثل هذهِ المعلومات في ثلاثة أشهر فقط. الأمثلة عديدة و الدلائل الشاهدة على كارثية هذا الأمر لا تُحصى ولا تعد و سنتطرق لها جميعها و لكن أحّبُّ ان أُنبهكُم إلى الجانب الأكثر ظلاماً مِما ذكرته وهو أن من يُدَّرِسون هذهِ الكورسات و يمنحُون تلك الشهادات لهؤلاء الأفراد هم الصيادلة أنفسهم! وسنتطرق لكل هذا بالأجزاء القادمة بإذن الله تعالى. فوق اليابسة ما أكثر أصحاب الصيدليات الذين هددوا الصيادلة عندما طالبوهم ببعض الأساسيّات أو زِيّادة للحوافز بأنهم سيجلبوا ذوي الثلاثة أشهُر ليحلوا محلهم مُستدلين على إمكانيتهم في زيادة الإِيراد اليومي للصيدلية أكّثر من الصيادلة بأضعاف مضاعفة.

793 .6 K

منحة-جامعة-HKBU-لدراسة-الماجستير-فى-هونج-كونج-2020

تقدم مدرسة HKBU لإدارة الأعمال منحة لدراسة الماجستير تغطى الرسوم الدراسية بالكامل للطلاب الدوليين الغير صينيين. منح الدراسات العليا الدولية هي جوائز إستحقاق و جدارة لمتابعة الدراسة. الهدف من هذه المنحة هو تقديم الدعم المالي الكامل للطلاب الدوليين. جامعة Hong Kong Baptist University (HKBU) هي مؤسسة التعليم العالي ممولة من القطاع العام. التخصصات لهذه الفرصة: ماجستير العلوم في إدارة الأعمال. ماجستير العلوم في المحاسبة التطبيقية والمالية. ماجستير العلوم في الاقتصاد التطبيقي. ماجستير العلوم في حوكمة الشركات والامتثال. ماجستير في المحاسبة الدول المستهدفة مصر, سوريا, العراق, فلسطين, الاردن, لبنان, تونس, الجزائر, المغرب, السودان, ليبيا, السعودية,الامارات, الكويت, قطر, البحرين, عمان, اليمن, الصومال, جيبوتي, موريتانيا, تركيا, ايران, قبرص, جزر القمر, دول اخرى ليست من دول ال شرق الاوسط وشمال افريقيا. لخطوة الأولى: المستندات المطلوبة: شهادات وبيانات الدرجات لجميع السجلات الأكاديمية. نسخ من نتيجة اختبار الكفاءة في اللغة الإنجليزية، إذا لزم الأمر من قبل البرنامج. خطابان توصية. نسخ من جواز السفر أو وثائق الهوية الأخرى. لمزيد من المعلومات و للتسجيل في المنحة من هنا : https://estudentguide.com/?p=10415

528 .6 K