المركز السوداني للدراسات الإستراتيجية والإقتصادية والإجتماعية (سراج)
د. سامي سمير
ملخص
في زيارة أحيطت بالسرية الكاملة زار رئيس المجلس السيادي السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان أوغندا يوم الإثنين الماضي 3 فبراير 2020 م والتقى برئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو المنتهية ولايته لبحث مسألة التطبيع مع اسرائيل . و تسبب إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية لهذا اللقاء بحالة من الغضب الرسمي والشعبي في السودان فقد نفت وزيرة الخارجية السودانية علمها باللقاء وأعلنت الحكومة الإنتقالية على لسان متحدثها الرسمي وزير الإعلام أنها لم تكن تعلم بخبر اللقاء و أنها عرفت باللقاء من وسائل الإعلام .
تحاول هذه الدراسة التنقيب عن ما جمع بين عبدالفتاح برهان و نتنياهو و تأثير ذلك على عملية الإنتقال السياسي في السودان.
في يوم الإثنين الماضي بعد منتصف الظهر فوجئ متابعوا تويتر السودانيين بتغريدة من على حساب الإذاعة الإسرائيلية تفيد أن لقاءاً قد تم ما بين رئيس المجلس السيادي السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان ، وقبل أي نفي من أي مؤسسة أو هيئة إعلامية سودانية جاء تأكيد اللقاء من الصهاينة من جديد بتغريدة أخرى بالعبري الفصيح لرئيس وزراء الكيان ( المنتهية ولايته ) بنيامين نتنياهو وهو الأمر الذي أعقبه جدل عنيف قانوني و دستوري عبر وسائل الإعلام ، ومن خلال هذا الجدل اعترفت الحكومة أن الجنرال عبدالفتاح البرهان أقدم على هذه الخطوة الخطيرة دون علمها أو التنسيق لهذا الأمر مع قيادات قوى إعلان الحرية و التغيير و أن البرهان قام بالتنسيق مع دائرة صغيرة من المدنيين.
تسبب لقاء البرهان - نتنياهو في انقلاب المشهد السوداني رأسا على عقب و حدوث تغيير في السياسة الداخلية و الخارجية للبلاد أما داخليا فلم يعد المشهد السياسي السوداني يشهد ذلك التوازن السياسي الذي كان في الشهور الماضية فقد اختل التوازن لصالح المؤسسة العسكرية بقيادة البرهان، فبينما كانت حكومة حمدوك تتلقى وابلا من الهجوم الإعلامي و المظاهرات المنددة بتدهور الأوضاع الإقتصادية تلقى البرهان مكالمة هاتفية من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يدعوه فيها لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية بصفته رئيسا لمجلس السيادة وهو ما يشير إلى أن الولايات المتحدة بثقلها أصبحت تقف خلف البرهان والمجلس العسكري بدرجة أكبر وترى فيه عامل استقرار وحفاظ على المصالح الأمريكية وهو ما يعني التخلي والإنصراف عن مسارهم المعلن في دعم التحول الديمقراطي وهذا يأتي في وقت ثورة ترامب على أجندة الحزب الديمقراطي الذي تلاعب بأعصاب ترامب طوال أشهر بما أطلق عليه جلسات محاكمة ترامب في الكونغرس و محاولة عزله . أما خارجيا فإنه يشير بوضوح إلى انتصار خطاب الإنحياز للمحور السعودي الإماراتي الذي يتبناه المجلس العسكري أو ما يطلق عليه المكون العسكري للحكومة الإنتقالية على خطاب الحياد و البعد عن المحاور الذي كان يتبناه المكون المدني للحكومة الإنتقالية ومن ضمن صور الإنحياز هذا اللقاء الخطير الذي جاء في ظروف ( صفقة القرن ) مشروع ترامب لحل القضية الفلسطينية و تأييد بعض دول الخليج لهذا المشروع عبر استضافة ورشته الإقتصادية في البحرين و تسابق قطر و الإمارات على استضافة الفرق الرياضية الإسرائيلية و توقيع مصر و الأردن على عقود شراء الغاز الإسرائيلي و زيارة نتنياهو الشهيرة إلى سلطنة عمان قبل عامين . فلقاء البرهان - نتنياهو هو جزء من مشروع تطبيع النظام الرسمي العربي مع اسرائيل و ربما المفاجأة هي أن هذا التطبيع بين اسرائيل و الدول العربية لم يرقى لمستوى لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي مع الملوك و الرؤساء باستثناء مصر و الأردن . و بغض النظر عن الأسباب التي دفعت الملوك و السلاطين و الأمراء و الرؤوساء العرب للتطبيع مع إسرائيل فإنها ليست موضوع هذه الدراسة بل الذي يهمنا هو معرفة الأسباب الحقيقية خلف لقاء البرهان رئيس المجلس السيادي السوداني مع نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي في عنتبي الأوغندية يقف خلف هذا اللقاء أهداف معلنة للبرهان و هي ما أطلق عليه الحفاظ على الأمن الوطني السوداني و طلب مساعدة إسرائيل لرفع العقوبات الإقتصادية الأمريكية على السودان و أهداف سرية لم يعلن عنها كذلك من جانب الطرف الإسرائيلي هناك أهداف معلنة
و هي كسب تأييد دولة عربية جديدة للمحور الإسرائيلي و سبب اقتصادي و هو فتح الأجواء السودانية للطيران الإسرائيلي المتجه لأمريكا الجنوبية ما سيساهم في تنشيط السياحة لإسرائيل بتخفيض التكلفة الإقتصادية للذهاب إليها .
أهداف نتنياهو من لقاء البرهان
فك العزلة عن إسرائيل
على الرغم من مرور سبعين سنة تقريباً على تأسيس الكيان الصهيوني ، و حصوله على اعتراف الأمم المتحدة ما زالت مشروعية هذا الكيان غير مكتملة على المستوى الإقليمي ، إذ لا تعترف به من الدول المحيطة به سوى مصر و الأردن و اعتراف جزئي قبل قطر و الإمارات و بالتالي اسرائيل لازالت جزيرة معزولة في محيط معادي لها رغم انفاقها ملايين الدولارات على الدعاية و رغم مرور عقود على قرار الملك حسين ملك الأردن الراحل و الرئيس المصري الراحل أنور السادات فإن مستوى عداء الشعبين المصري و الأردني لإسرائيل في حالة ازدياد .
و لذلك فإن اسرائيل ترى أن تطبيعها مع أكبر عدد من الدول العربية قد يساعد في فك عزلتها الإقليمية و تنشيط تجارتها مع دول ( الخليج ) الغنية بالنفط .
زيادة الضغط على الفلسطينيين
التطبيع مع السودان له مذاق خاص لإسرائيل فالسودان يعني للفلسطينيين قمة الخرطوم 1967م صاحبة اللاءات الثلاث و التي يستحضرها الفلسطينيون دوما ليتذكروا أن خلفهم أمة عربية واحدة تدعم حقهم . وإسرائيل عبر تطبيعها مع السودان توصل رسالة قوية للفلسطينيين أن عليهم أن لا يتعنتوا في التفاوض معها لأن العالم العربي تخلى عنهم والدليل أن الخرطوم صاحبة اللاءات الثلاث أصبحت مهتمة بالتطبيع مع إسرائيل .
تنشيط السياحة لدولة إسرائيل
يعتمد اقتصاد الكيان الصهيوني حتى الآن على اقتصاد الخدمات فالكيان المحتل ليس لديه ما يصدره للعالم من سلع مهمة باستثناء الأسلحة . و لذلك فإن اسرائيل الحريصة على قطاعها السياحي الذي تعتمد عليه كمصدر رئيس لعملة الصعبة ( حتى الآن ) حريص على الإستفادة من الفرص لمزيد من الإستثمار في هذا القطاع . و من القطاعات المهمة التي ترفد اقتصاد الكيان الصهيوني بالأموال هي قطاع السياحة الدينية فكثير من السياح الذين يقصدون اسرائيل يقصدونها بغرض زيارة الأماكن الدينية المقدسة (خصوصا المسيحية) و تعتبر مناطق أمريكا اللاتينية من أكثر الأماكن تمسكا بالكاثوليكية في العالم و قد تدفع اغراءات مالية سواح هذه القارة للتوجه إلى اسرائيل بدلا عن أي مقصد آخر ولذلك فقد كان طلب اسرائيل المتكرر السماح بالطيران الذاهب لإسرائيل بالعبور باستخدام الأجواء السودانية و هو الأمر الذي من شأنه تقليل تكلفة الرحلة الجوية في بعض دول أمريكا الجنوبية إلى سعر ربما يتجاوز النصف مما سوف يساهم في انعاش الإقتصاد الإسرائيلي.
التخلص من اللاجئين الأفارقة في اسرائيل
تعتبر ظاهرة هجرة الأفارقة غير الشرعية لإسرائيل من القضايا التي تؤرق ساسة الكيان الصهيوني و قد وعد نتنياهو و هو يميني متشدد في أكثر من مرة بأنه على استعداد لإعادة اللاجئين الأفارقة لبلدانهم التي جاءوا منها. و قد تمت إعادة بعض اللاجئين من دولة جنوب السودان إلى بلادهم بواسطة الأمم المتحدة و كان اللاجئون السودانيون يمثلون أزمة لحكومة نتنياهو بسبب أن أغلبهم قادم من إقليم دارفور و قد كانوا لا يستطيعون إعادتهم لنظام عمر البشير بسبب تاريخه الحقوقي السيئ و أما الآن و بعد تطبيع العلاقة ما بين الخرطوم و تل أبيب سوف تقوم اسرائيل بإرسال جميع اللاجئين السودانيين إلى الخرطوم و دون أن تشعر بأي حرج دولي و ربما تعرض على الحكومة السودانية أخذ بقية اللاجئين الأفارقة للخرطوم مقابل ميزات اقتصادية كما حاولت من قبل عمل هذا الأمر مع رواندا قبل سنوات.
مواجهة النفوذ الإيراني و التركي
تعتبر اسرائيل المشروع الإيراني الذي تسميه بعض الأدبيات الأمريكية بمشروع الهلال الشيعي وما تسميه ايران (مشروع المقاومة والممانعة) عدوها الإستراتيجي الأول و الخطر الماثل أمام عينيها وهو يسيطر على حدود إسرائيل من ثلاث جهات الجهة السورية من حدود هضبة الجولان السورية و الجهة اللبنانية من جنوب نهر الليطاني(الناقورة) والجهة الفلسطينية عبر حركات النضال الفلسطيني المدعومة إيرانيا . من أجل ذلك تعمل اسرائيل على التحالف مع كل الدول التي تعتبر المشروع الإيراني خطرا عليها وتعتقد اسرائيل أن هذا المشروع الخطير هو فرصتها للإندماج مع دول المنطقة ( الخليجية ) في مواجهة عدو الجميع ولذلك تعتبر إسرائيل أن التقارب مع الخرطوم التي يحكمها الجنرال عبدالفتاح برهان لمواجهة ايران هو أمر يجب أن يحدث بالضرورة ما دامت الخرطوم تعتبر نفسها حليفة للسعودية والإمارات و ما دامت الخرطوم منخرطة في الحرب الأهلية اليمنية لمواجهة ذراع إيران جماعة أنصار الله ( الحوثية ) . أما في المدى المتوسط والبعيد فإن اسرائيل ترى المشروع التركي عدوا لها رغم أن حكومة أنقرة تعترف بإسرائيل و تجري معها أكبر عمليات تبادل تجاري ما بين الدولة العبرية و دولة عضو في منظمة التعاون الإسلامي فإن اسرائيل ترى في تمدد أردوغان في سوريا و ليبيا و الصومال خطرا على المصالح الإستراتيجية الإسرائيلية . و يظهر ذلك في تحالف إسرائيل مع دول شرق المتوسط المعادية لأنقرة ( مصر اليونان قبرص ) ضمن ما أطلق عليه (منتدى شرق المتوسط ) بالإضافة إلى ذلك الدعم الدبلوماسي والإعلامي الذي تقدمه اللوبيات الإسرائيلية لحزب العمال الكردستاني و حفتر و بدرجة أقل بشار الأسد فالدولة العبرية لا تريد أن ترى أمامها لا المشروع الإيراني ولا المشروع التركي . و ترى اسرائيل في دول الخليج حليفا محتملا لها من أجل مواجهة المشروع الإيراني و التركي و ترى في السودان في حقبة ما بعد البشير أيضا حليفا محتملا لها إذا ما رغب نظام عبدالفتاح البرهان تصفية الوجود التركي في السودان و التخلص منه كإرث متعلق بنظام البشير .
بيع السلاح للسودان
تمثل السوق الإفريقية سوقا واعدة لتجار السلاح الصهاينة. فمشاكل القارة السمراء لا تنتهي، ونزاعاتها العرقية والاثنية والدينية لا تنطفئ، ولذلك فبيع السلاح الاسرائيلي للأفارقة هو تجارة مربحة للإسرائيلين الذين يستثمرون في شركات السلاح مليارات الدولارات سنويا و كمثال على ذلك بيع اسرائيل لمنظومة اسبايدر ام أر لاثيوبيا لتقوم بتركيبها لحماية سد النهضة من أي قصف مصري محتمل للسد كذلك بيع اسرائيل أسلحة مختلفة للجيش النيجيري لتصدي لبوكو حرام. و لذلك فإن شركات السلاح الإسرائيلية يدعمون التقارب ما بين اسرائيل و الدول الإفريقية و يعملون بجد على تطوير العلاقات ما بين إسرائيل و الدول الإفريقية باعتبارها سوقا مفترضة للأسلحة الإسرائيلية . و تعتقد اسرائيل أنها يمكن إن تحسنت العلاقات ما بين الخرطوم و تل أبيب أن يكون السودان زبونا مفترضا للسلاح الإسرائيلي أو أن تساعد إسرائيل حتى على تسويق سلاحها للدول الإفريقية المجاورة .
تأمين البحر الأحمر
يطل الكيان الصهيوني على البحر الأحمر عبر ميناء ايلات ( أم الرشراش ) ولذلك فإن تأمين هذا الممر المائي من أخطار القراصنة و تدخلات بعض ( الدول الإقليمية ) هو مصلحة تهم الأمن القومي الإسرائيلي بشكل واضح و ترفض اسرائيل قيام أي دولة ( إقليمية ) بإنشاء نقاط عسكرية لها على شاطئ البحر الأحمر و قد شاركت إسرائيل مؤخرا في عدة مؤتمرات أمنية خاصة مع الدول العربية لبحث تأمين الممرات المائية أبرزها مؤتمر وارسو 2018 و مؤتمر المنامة 2019.
الإستفادة من موارد السودان و ثرواته
يعتبر السودان أحد أغنى دول العالم بالأراضي الصالحة للزراعة بفضل الأنهار العذبة التي تجري فيه بشكل دائم أو موسمي .
يتمتع السودان بهذا الغنى و الوفرة من الثروة المائية وهو ما يقابله شح في المياه عند الكيان الصهيوني الذي يضطر إلى تحلية مياه البحر للمستهلكين الصهاينة .
ومياه السودان تحت عين اسرائيل التي تريد الإستفادة منها و زراعة عدد من المحاصيل التي يمكن أن تنتج مواد خام لصالح المصانع الصهيونية. بالإضافة إلى ثرواتالسودان خصوصا المعادن النفيسة ذات القيمة الثابتة كالذهب و الفضة و الألماس التي تذخر بها الأراضي السودانية . هذا من ناحية اسرائيل أما السودان فهي منذ 11 أبريل 2019 يوم إعلان وزير الدفاع السابق عوض بن عوف اقتلاع النظام السابق و التحفظ على رئيسه في مكان آمن و الدولة السودانية لم تعد دولة مركزية القرار بحيث يتخذ من القصر الجمهوري و يتم التنفيذ . فقد استولت اللجنة الأمنية للنظام السابق على الحكم و التي تضم الجيش و الشرطة و الأمن و الدعم السريع على الحكم سويا و بقرار مشترك و لأول مرة في تاريخ السودان المعاصر يضم المجلس العسكري الإنتقالي شخصيات غير منتمية للمؤسسة العسكرية الرسمية كضباط الأمن و الشرطة ناهيك عن الدعم السريع الذي كان محل تساؤل حتى وقت قريب هل هو مؤسسة تابعة للجيش أم لجهاز الأمن قبل أن يصدر قرار بإعتماده كقوات خاصة تتبع للقائد العام للجيش و يصدر هذا القرار في شكل قانون أجازه البرلمان المنحل . هذا من ناحية السيطرة الأمنية و العسكرية أما من الناحية التنفيذية فإن الوثيقة الدستورية التي جاءت نتيجة لتفاوض المجلس العسكري مع قوى الحرية و التغيير قد حرمت الجيش من إدارة المرحلة الإنتقالية وكبلت صلاحيته ضمن ما أطلق عليه مجلس السيادة مقابل الحفاظ على الإمتيازات المالية و الإقتصادية للجيش واستمرار إرسال القوات السودانية إلى اليمن و المناطق الساخنة بالتفاهم مع المحور السعودي الإماراتي . و تشهد الأيام الأخيرة أدلة متزايدة على أن الإتفاق السياسي ما بين المجلس العسكري و قوى الحرية و التغيير في أيامه الأخيرة فالمجلس لا يريد سماع تقرير لجنة التحقيق المتعلقة بفض اعتصام القيادة العامة و ليس راضيا عن سير المفاوضات المتعلقة بالسلام وقد تجاوز المجلس نوعا ما صدمة فض الإعتصام واستطاع خلال الأشهر الماضية ترميم صورته وتقديم نفسه كحريص على الدولة وبعيد عن الإستقطابات الدينية والعرقية والأيدولوجية بينما غرقت قوى الحرية والتغيير و أغرقت المجتمع في الإستقطابات بمحاولتها انتهاز اللحظة التاريخية لتحقيق مكاسب علمانوية بعيدة عن الهموم الشعبية الحقيقية كدوري كرة القدم للسيدات و اصدار قانون تجريم التكفير و منع ختان الإناث و القضاء على البنية التشريعية المساعدة لقانون النظام العام ( الذي ألغي من قبل ) و إلغاء المادة المتعلقة بالدعارة في القانون الجنائي السوداني و تقنين وضع المثليين . و يتزامن انشغال قوى الحرية و التغيير بهذه القضايا مع ارتفاع التضخم و انكماش الإقتصاد السوداني و انخفاض قيمة العملة السودانية و هروب الإستثمارات ورؤوس الأموال من البلاد وأزمات معيشية حادة كانقطاع الكهرباء المستمر وعدم توفر الوقود و الخبز .
أهداف البرهان من لقاء نتنياهو
تدعيم موقفه كحاكم مستقبلي للبلاد
رغم أنه تظاهر بالزهد في السلطة في ابريل الماضي و وافق في الاتفاق السياسي على أن كل من يكون جزء من النظام الإنتقالي فإنه لن يترشح للإنتخابات القادمة فإن الفريق البرهان يعمل بوضوح ليصبح رئيسا للبلاد حتى قبل 2022م التاريخ المفترض لنهاية الفترة الإنتقالية . فمن مقابلة زعماء العواصم الإقليمية الداعمة للرؤساء العسكريين إلى السفر إلى موسكو و مقابلة الرئيس الروسي بوتين في القمة الروسية الإفريقية إلى مخاطبة القمة العربية والإسلامية فإن الفريق البرهان يقدم نفسه كزعيم مفترض للسودان لأن حضوره إلى كل هذه المناسبات لم يكن ضروريا فقد كان رئيس الوزراء أو أي ممثل للمجلس العسكري قادرا على تمثيل السودان أفضل تمثيل في تلك المناسبات الدولية و لكن الفريق البرهان استغل تلك المنصات الدولية لتقديم نفسه للعالم ، وترك المنصات الإقليمية الأقل أهمية إلى رئيس الوزراء عبدالله حمدوك كمنصة الإتحاد الإفريقي و منصة الإيقاد حيث أن الإعلام الدولي أقل اهتماما بمتابعة ما يحدث في تلك القمم . أما داخليا فقد أسهم لقاء البرهان بنتنياهو في ارتفاع أسهمه لدى الرأي العام السوداني المتعلق بأي أمل يرفع الحظر عن البلاد بعد أن أصابته حكومة عبدالله حمدوك بالإحباط بسبب اهمالها الكامل للرأي العام السوداني و سعيها المستميت لإرضاء المجتمع الدولي وشواغل الأقليات العلمانية حتى لو أدى ذلك لإهانة الكرامة الوطنية السودانية أو توريط السودان في دفع تعويضات عن عمل لا علاقة مباشرة للسودان به . وفي الحقيقة فإن البرهان لم يكن ليقدم على هذا لولا أنه أصبح يملك مشروعا سياسيا ينوي تطبيقه كرئيس للبلاد فالإقدام على مصافحة مجرم كنتنياهو هو أمر لن ينساه ضمير الشعب السوداني حتى لو استطاع رفع العقوبات الإقتصادية و البرهان يدرك أنه أقدم على مغامرة لم يكن ليقدم عليها لو لم تخدمه هو بشكل شخصي . والخلاصة أن البرهان يطرح نفسه كسيسي جديد للسودان يستطيع فرض هيبة الدولة و القانون من جديد .
الضغط على الحركات المسلحة
من الأمور التي دفعت الفريق البرهان إلى اللقاء مع نتنياهو قضية الحركات المسلحة حيث تعتبر هذه الحركات مسألة مؤرقة للدولة السودانية باعتبار الحرب في مناطق الهامش السوداني إرثا متبقيا من نظام البشير يجب التخلص منها و بشكل فوري و العمل على تأسيس نظام وطني سوداني قوي . و إسرائيل بما تملكه من نفوذ و استثمار في الحركات المسلحة التي دعمتها منذ الخمسينات من القرن الماضي قادرة على جلب هذه الحركات للسلام و كسر تعنتها . ما نريد قوله أن التطبيع مع اسرائيل في اعتقاد البرهان عامل مساعد في إيقاف الحرب عبر تجفيف التمويل لهذه الحركات و إيقاف الدعم الإعلامي لها ما سيدفعها للقبول بالتفاوض بدلا من التعنت و رفع سقف المطالب ما سيمهد لحل أزمة الحرب في السودان التي تسبب فيها نظام البشير بسوء إدارته للبلاد.
الوصول إلى الولايات المتحدة الأمريكية
تعتبر العلاقة مع إسرائيل البوابة الرئيسية لعلاقة جيدة مع البيت الأبيض هذه حكمة يعرفها كل حكام الشرق الأوسط و لذلك فإن البرهان المهموم برفع العقوبات الإقتصادية الأمريكية الكاملة عن السودان و شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب كان مستعدا للقاء نتنياهو بدواعي الأمن القومي و المصالح السودانية العليا . و البرهان بإقدامه على محالفة إسرائيل بهذا الشكل يعلن بوضوح أيضا أنه حليف لأمريكا و الغرب و أنه مستعد للإنقلاب بشكل كامل على ارث البشير من العلاقات مع دول آسيا و روسيا وتركيا و إيران.
وهو جاهز للتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية و مشاريعها الأمنية في المنطقة لمواجهة إيران و تركيا ضمن ما يطلق عليه بتأسيس الناتو العربي الذي يتوقع تأسيسه في وقت ما من هذا العام لمواجهة النفوذ الإيراني و التركي و التدخل لا في اليمن فقط بل في دول عربية أخرى قد تكون منها (العراق و لبنان و سوريا و ليبيا)
إعادة تسليح الجيش السوداني بالمنظومات الغربية
إقدام البرهان على الإستقواء بالجيش على النحو الذي حدث ما بعد لقائه بنتنياهو يجب أن يفهم في إطار مشروع متكامل لإعادة تسليح الجيش السوداني بسلاح غربي فهو يسعى بوضوح لإحداث تغيير ( ساداتي ) و انفتاح في الدولة السودانية بعد وصوله لقناعة أن 99 % من أوراق اللعب في يد الولايات المتحدة الأمريكية . و بالتالي نقل ملف السودان من يد وزارة الخارجية الأمريكية ليد البنتاغون و هذا الأمر لن يتم إلا عبر ربط مباشر ما بين الجيش السوداني و الجيش الأمريكي و هنا يبدو أن البرهان يرغب في أن تذهب قاعدة أفريكوم الأمريكية لتكون في السودان بعد أن تم نقلها من جيبوتي مؤخرا . تطبيع العلاقات مع المؤسسات المالية الدولية يعتقد البرهان أن نتنياهو وعبر علاقاته الواسعة مع أبناء جنسه اليهود المسيطرين على الإقتصاد العالمي يستطيع دعم خطوات انضمام السودان للمجتمع المالي الدولي و بالتالي حصول السودان على منح و قروض و إعانات و إعفاءات من المؤسسات الدولية و التي ترفض التعامل مع السودان رغم أن العقوبات الإقتصادية الأمريكية رفعت على الورق.
الإعلام الدولي والمنظمات الدولية
من أهداف البرهان من لقاء نتنياهو هو تحييد الإعلام الدولي من الحديث السلبي عنه و كذلك تحييد المنظمات الدولية الحقوقية التي بدأت في الفترة الماضية بنشر تحقيقات تحرض على المجلس العسكري و على البرهان و على نائبه محمد حمدان دقلو ( حميدتي ) فأحد أهداف البرهان الإستراتيجية هي كسب صمت منظمات المجتمع الدولي خصوصا تلك المدعومة من اللوبيات اليهودية وكذلك وقف أي مواد دعائية معادية له على الإعلام الدولي.