يقول غسان كنفاني:
"إن الإنسان في نهاية الأمر قضية، فلا تمُت قبل أن تكون نِدًا" بنجامين شاكوان وعوض الضو، تموت الأشجار وهي واقفة.
كثيرٌ مِنّا لا يعلم من هو بنجامين وما قصتهُ مع عوض الضو.
اربطوا الأحزمة، فإن الرحلة ممتلئة بالمآسي.
بنجامين شكوان من قبيلة الشلك ولد في ملكال درس الابتدائية فى عطار والعالي في رمبيك والخرطوم القديمة تخرج من جامعة السودان ١٩٧١
تم تعيينه فى وزارة الثقافة والإعلام وابتعث إلى جامعة تكساس في أمريكا فدرس فيها دبلوم الصحافة، ثم الدراسات العليا بلندن.
اكتشف وهو في بريطانيا شرائط أخذها المُستعمر فخاف أن تم استخدامها كوثائق للتجسس، وفي محاولات يائسة لحفظ التراث خاطبوا باسم السودان الملحقيات الثقافية الأجنبية حين أدركوا تاريخ بلادنا يضيع منا نتاجًا للامبالاة وعدم المسؤولية، فكانت الوعود التي لم تتحقق.
بنجامين ورفيقه السينمائي عوض الضو صنعوا نقلة لافتة في تاريخ السينما السودانية والموروث الثقافي، رغم كل الصِعاب أكملوا العمل بصمت.
حيث أنهم قاموا بتكوين أكبر إرشيف سينمائي يفوق الثلاثة عشر ألفًا هو الأكبر في إفريقيا.. أدت عوامل الزمن والإهمال البيروقراطي أن يتعرض الإرشيف إلى التآكل والتلف مثل توثيق زيارة مانديلا التاريخية للسودان والاحتفاء به كقائد للمقاومة الإفريقية .
بِلا كلل وبكل تفاني كان بنجامين يشدّ رحاله للبحث وجمع المقاطع التي تم تصويرها مسبقًا، كتوثيق لزيارة مانديلا ليكمل عمله.
وأثناء رحلتهم هذه توفي بنجامين إثر حادث حركة.
ورغم ذلك الرهق لم يتم تقدير جهدهم وتفانيهم ليتم تقييم بنجامين كعامل أجنبي دون حقوق مادية أو أدبية!
تمت معاملتهُ كلاجيء داخل وطنه، وكانت أشد غُربة أن يموت الإنسان متغربًا في الداخل، بين جنبات الوطن الذي سُلب منه انتماءه لهُ عنوةً.
تم إنتاج عملهم هذا في ٢٢/أكتوبر /٢٠١٧.
يعرض العمل الإهمال الذي تعرضت لهُ الثقافة السودانية، ويسلط الضوء على تدني إعلامنا ومن ثم التدهور النسبي المتسارع في البلاد، سرد الثنائي ماضي وحاضر السودان في فهم عميق ٍ يعرض أيضًا معاناة الإنسان السوداني وتفرّده وإنسانيته، رغم عوامل التعرية التى خطّت آثارها على جسد الوطن اليبوس ، يبقى العامل البشري السوداني أكبر ثروة في البلاد تجسدها بساطة وعبقرية بنجامين وعوض في نكران للذات وإيمانٍ بالمبادئ وتجردٍ من أجلِ الفكرة لا العائد وفهمٍ عميقٍ للحياة . رغم أن المتشائم قد يقول أنهما من الزمن القديم إلا أن المأمول أن تبقى جذوة الأمل حية في الأبناء والأجيال.
رغم مرارة الأحداث نؤمن أنها لم تحدث سوى بسبب من لم يعرفوا قدر الرجال فأمثال بنيامين و عوض يجب الاحتفاء بهم وتكريمهم ، وتقديم كل أوجه المساعدة لهم ، فقد ضحوا دون مقابل، و بذلوا من أجل المبدأ والفكرة.
كان هذا العمل الصغير بمثابة ثورة، ركض بنجامين وعوض خلف هذا التوثيق لا يقل عن صوت الثوّار الذي ضجت به الشوارع، لا يختلف تدحرج عباس فرح بقرب تروسه عن موت بنجامين وهو يسابق الزمن ليصنع المعنى لكل الأشياء التي غابت عنّا.
فكلٌ منهما ثورة وكلٌ يثور على طريقته، وخلقت أكتاف الرجال لحمل الأفكار النبيلة، فإما عظماء فوق الأرض أو ذكرى عظيمة حتى إن صاروا عظامًا في جوفها.